للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على العملِ لها؛ لا خَوْفَ ذعرٍ فقط، بل خوفٌ يَحْمِلُهُم على العملِ لها، وهذا هو الخوفُ النافعُ، أما مجردُ الذعرِ فلا يكفي.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الإشارةُ إلى ترجيحِ جانبِ الخوفِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى امتدحَ الذين يخافون من الساعةِ، وهذه المسألةُ اخْتَلَفَ فيها أربابُ السلوكِ والمعارفِ أيُّهُما أَفْضَلُ أن يُغَلِّبَ الإنسانُ جانبَ الخوفِ، أو جانبَ الرجاءِ؟ فقال الإمامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ينبغي أن يكونَ خوفُهُ ورجاؤُهُ واحدًا؛ فأيُّهُما غَلَبَ هَلَكَ صاحبُه (١).

استمعْ إلى كلامِ الإمامِ أحمدَ، يقول: ينبغي أن يكون خوفُهُ ورجاؤُهُ واحدًا؛ فأيَّهُما غَلَّبَ هَلَكَ صاحبُه؛ لأنَّه إن غَلَّب جَانِبَ الخوف وقعَ الإنسانُ في القنوطِ من رحمةِ اللهِ، وإن غلَّبَ جانبَ الرَّجاءِ وَقَعَ في الأمنِ من مكرِ اللهِ، وكلاهما خطرٌ على الإنسانِ.

وقال بعضُ العلماءِ: ينبغي عند إرادةِ العملِ السَّيِّئِ - يعني: عند إرادةِ المعصيةِ - أن يُغَلِّبَ جانبَ الخوفِ؛ لئلا يَقَعَ فيها، وعند فعل الطاعةِ أن يُغَلِّبَ جانبَ الرَّجاءِ، وهذا جيِّدٌ جدًّا؛ لأنَّه عند الهمِّ بالمعصيةِ إذا لم يُغَلِّبْ جانبَ الخوفِ وَقَعَ فيه، وعند فعلِ الطاعةِ إذا لم يُغَلِّبَ جانبَ الرجاءِ لم يَنْشَطْ على الطاعةِ.

فعليه نقولُ: إن تغليبَ أحدِ الجانِبَيْنِ الخوفِ والرَّجاءِ يَرجِعُ إلى حالِ الشَّخصِ، في حالِ الهمِّ بالمعصيةِ يُغَلِّبُ جانبَ الخوفِ، وفي حالِ فعلِ الطاعةِ يُغَلِّبُ جانبَ الرَّجاءِ؛ لئلا يَقْنَطَ من رَحْمَةِ اللهِ، وييأسَ من رَوْحِ اللهِ؛ فيغَلِّبُ جانبَ الرجاءِ، ويكونُ رجاؤُهُ هذا مبنيًّا على أنه لمَّا يَسَّرَ اللهُ له فِعْلَ الطاعةِ؛ فإن رجاءَهُ باللهِ يكونُ أعظمَ وأَمْتَنَ؛ فيكونُ اللهُ تعالى عند حُسْنِ ظنِّه به. هذان قولان.


(١) انظر: الإختيارات العلمية لابن تيمية [المطبوع مع الفتاوى الكبرى] (٥/ ٣٥٩).

<<  <   >  >>