للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قولُهُ: {فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ} أعاد الإفْرادَ بَعْدَ أن جاء الجمْعُ {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ} هذا ابتداءٌ بالمُفْرَدِ، {فَإِنَّ الْإِنْسَانَ} خَتَمَها بالمفْرَدِ، من أجْلِ أن يَشْمَلَ الإنسانَ مجتمِعًا أو منفرِدًا، فهذه حالُهُ.

ولكنْ مَن المرادُ بالإنسانِ هنا؟ الظَّاهرُ - واللهُ أَعْلَمُ - أنَّ المرادَ بذلك الكافرُ؛ لأنَّه هو الَّذي يَنْطَبِقُ عليه فَرَحُ البَطَرِ والأَشَرِ، والكُفْرِ إذا أُصيبَ بسوءٍ.

وقولُهُ: {فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ} هذه ليست صِفَةَ مُبالَغَةٍ، هذه صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ يعني يكونُ من صفتِه الكُفْرُ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: تَسْلِيَةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ حينما أَعْرَضوا عن إجابتِه؛ لقولِهِ: {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّها تَسْلِيَةٌ للدُّعاةِ من بَعْدِ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّ الداعيَ عليه البلاغُ وليس عليه أن يَهْدِيَ النَّاسَ ولا يُمْكِنه ذلك، وإذا كان النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخْبَرَنا بأنه رأى النَّبيَّ وليس معه أحدٌ، فكيف نَغْضَبُ إذا دَعَوْنا إلى اللهِ ولم يَسْتَجِبْ لنا أحدٌ؟ ! إذا كان الأنبياءُ وَهُمُ الأنبياءُ لا يُستجابُ لهم، كيف بنا نحن؟ ! ولهذا نرى بعْضَ الدُّعاةِ إذا لم يَجِدْ مجيبًا استحسر وترك الدَّعوةَ، هذا غلطٌ لا يجوزُ أبدًا أن تيأسَ من رحمةِ اللهِ، ادعُ، ثم ادعُ، ثم ادعُ، حتَّى لو أُذِيتَ بَدَلَ أن يُستجابَ لك فلا تَيْأَسْ.

إذن: في هذه الآيةِ تسليةٌ للدُّعاةِ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كما أنَّ فيها تسليةً للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ فأنت إنَّما عليك البلاغُ، وما أَجَلَّ أن تقومَ بما عليك من البلاغِ، أمَّا أنَّ النَّاسَ يهتدون فلا، هذه واحدةٌ.

<<  <   >  >>