للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} يَدْفَعُ عنهم العذابَ] أي: {مِنْ وَلِيٍّ} يَتَوَلَّاهم ويَتَحَمَّلُ عنهم، {وَلَا نَصِيرٍ} يَدْفَعُ عنهم، فليس لهم من يُسَلِّيهم في حالِ المصيبةِ، ولا من يَدْفَعُ عنهم إذا وَقَعَتْ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: إثباتُ مشيئةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لقولِهِ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الشورى: ٨].

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الرَّدُّ على القَدَرِيَّةِ، والقدرَّيةُ هم الذين يقولون: إن اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا عَلَاقَةَ له في فعلِ العبدِ، يقولون: العبدُ مستقلٌّ ليس للهِ فيه إرادةٌ، وغُلاتُهُم يُنْكِرُونَ عِلمَ اللهِ بأحوالِ العبدِ إلا ما وقع منها، يقولون: إن اللهَ لا يَعْلَمُ ماذا يَصْنَعُ العبدَ، لكن إذا صَنَعَهُ العبدُ عَلِمَ به، وهؤلاء لا شكَّ في كُفْرِهِم؛ لأنَّهم أنكروا عِلْمَ اللهِ، مُقْتَصِدُوهم يُنْكِرُونَ المشيئةَ والخَلْقَ، هذا الذي استقرَّ عليه رأيُهُم، يقولون: إن اللهَ لا مشيئةَ له في فعلِ العبْدِ، وليس خالقًا لفعلِ العبدِ، العبدُ حرٌّ، يقولُ وَيسْكُتُ، يَفْعَلُ ويتركُ، ينامُ ويستيقظُ استقلالًا ليس للهِ فيه مشيئةٌ؛ ولهذا سُمُّوا مجوسَ الأمةِ المحمَّدِيَّةِ؛ لأنَّهم بهذه العقيدةِ يجعلون للحادثِ خَالِقَيْنِ، حوادثُ العبادِ خَلَقَهَا العِبادُ، وحوادثُ اللهِ خَلَقَها اللهُ، ولهذا يُسَمَّوْنَ مجوسَ الأمةِ الإسلاميَّةِ.

ففي الآياتِ الكريمةِ ردٌّ عليهم، وَجْهُ الرَّدِّ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} كما قال تعالى في سورةِ هودٍ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: ١١٨ - ١١٩].

وهذا فيه الرَّدُّ على القَدَرِيَّةِ، وفيه حُجَّةٌ للجَبْرِيَّةِ؛ لأنَّ اللهَ قال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} إذن هُمُ انقسموا بمشيئةِ اللهِ، وما شاء اللهُ كان، وما لم يَشَأْ لم يَكُنْ، فهذا دليلٌ على أنَّ الإنسانَ لا اختيارَ له، بل فِعْلُهُ بمشيئةِ اللهِ.

<<  <   >  >>