للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكونَ لحكمةٍ، كما قال اللهُ تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكويرِ: ٢٨ - ٢٩]، وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: ٣٠].

إذن؛ يُدْخِلُ من يشاءُ في رحمتِهِ ممن عَلِمَ فيه خيرًا؛ ليكونَ إدخالُهُ في الرحمةِ على وَفْقِ الحكمةِ، وقولُهُ: {فِي رَحْمَتِهِ} فهل المرادُ هنا بالرحمةِ التي هي وَصْفُهُ، أو المرادِ بالرحمةِ التي هي خَلْقُه؟ الثاني؛ لأنَّ الرحمةَ التي هي وَصْفُهُ لا يَدْخُلُهَا الناسُ، وإنما يدخلون في الرَّحْمَة التي هي خَلْقُهُ وهي الجنَّةُ، ويدُلُّ لهذا قولُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى في الحديثِ القدسيِّ للجنَّةِ: "أنتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بكِ مَن أشاءُ" (١) فقال لها: "أنتِ رحمتي".

وقوله: {وَالظَّالِمُونَ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [الكافرون] {وَالظَّالِمُونَ} مبتدأٌ وليس معطوفةً على {مَنْ} لفسادِ المعنى واللفظِ، وَفَسَّرَ المُفسِّر هنا (الظالمون) بالكافرين؛ لأنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصَفَ الكافرين بالظُّلْمِ فقال: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٥٤]، وقال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢]، فَسَّرَهَا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالشِّرْكِ، وقال: "ألمْ تسمعوا قولَ الرجلِ الصالح إن الشركَ لظُلْمٌ عظيمٌ" (٢).

{مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} {مَا} نافيةٌ، و {لَهُمْ} خبرٌ مُقَدَّمٌ، و {وَلِيٍّ} مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ دَخَلَ عليه حرفُ الجرِّ الزائدُ للتوكيدِ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}، رقم (٤٨٥٠)، ومسلم: كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، رقم (٢٨٤٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}، رقم (٣٣٦٠)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب صدق الإيمان وإخلاصه، رقم (١٢٤)، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>