للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعُرِّبَتْ، لا يَجوزُ أن نَعْدِلَ إلى هذا إلا عند الضرورةِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ القرآنَ عربيًّا، فإذا قلنا: فيه كلمةٌ عربيَّةٌ أَصْلُها غيرُ عربيٍّ، فهذا خلافُ ظاهرِ القرآنِ، لكن إذا اضْطُرِرْنَا إلى هذا بأنْ لم نجدْ لهذه الكلمةِ أصْلًا في اللغةِ؛ حينئذٍ نقولُ: مُعَرَّبَةٌ.

فـ (مقاليدُ) لها أَصْلٌ مأخوذةٌ من القلادةِ التي تُقادُ بها البعيرُ، فمعنى مقاليدَ؛ أي: أَزِمَّةُ الأمورِ في السَّمواتِ والأرضِ له وَحْدَهُ، أما المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ فقال: [مفاتيحُ خزائِنِهِما من المطرِ والنباتِ وغيرِهِما].

وقوله: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} {يَبْسُطُ} يعني: يُوَسِّعُ {وَيَقْدِرُ} يعني: يُضَيِّقُ، الْبَسْطُ وَالْقَدر امتحانٌ وابتلاءٌ؛ لأنَّ من الناسِ من لا يُصْلِحُهُ إلا الفقرُ، ومن الناسِ من لا يُصْلِحُه إلا البسطُ، وفي الحديثِ القدسيِّ: "إنَّ مِن عبادِي لو أَغْنَيْتُه لأَفْسَدَه الغِنى، وإنَّ مِن عِبادِي لو أَفْقَرْتُه لأفْسَدَه الفقرُ" (١).

يقولُ المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يَبْسُطُ الرِّزْقَ} - والمرادُ بالرِّزْقِ العطاءُ - يُوَسِّعُهُ {لِمَنْ يَشَاءُ} امتحانًا {وَيَقْدِرُ} يُضَيِّقُهُ لمن يشاءُ ابتلاءً] امتحانًا هل يَشْكُرُ أو لا يَشْكُرُ، ابتلاءً هل يَصْبِرُ أو لا يَصْبِرُ.

وقوله: {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} إنه عليمٌ بكلِّ شيءٍ، فهو يَعْلَمُ أن البَسْطَ لهذا أَفْضَلُ، وأن التضييقَ لهذا أَفْضلُ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: أن أزمَّةَ الأمورِ للهِ وَحْدَهُ في السَّمواتِ والأرضِ، فهو الذي يُدَبِّرُ الأمورَ، ويداولُ الأيامَ بَيْنَ الناسِ، ويقَلِّبُ الأحوالَ، وكم من رجلٍ أصبحَ


(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٨/ ٣١٨ - ٣١٩)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (٢٣١)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>