للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كافرًا وأمسى مؤمنًا، وكم من إنسانٍ أصبحَ مؤمنًا وأمسى كافرًا، كما أَخْبَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الفِتَنِ في آخِرِ الزمانِ أنه: "يُمْسِي الإنسانُ كافرًا ويصبحُ مؤمنًا ويُمْسِي كافرًا" (١).

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الأرزاقَ بَسْطُهَا وَتَضْيِيقُهَا بيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فهل يَلْزَمُ من هذا ألا نَفْعَلَ الأسبابَ؟ لا؛ لأنَّ هذا ضَعْفٌ في التَّوَكُّلِ إذا لم تَفْعَلِ الأَسْبَابَ، افْعَلِ الأسبابَ واعتمدْ على الخلَّاقِ عَزَّ وَجَلَّ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: ألا نَطْلُبَ الرزقَ إلا من اللهِ؛ لأنَّه هو الذي يَبْسُطُ الرزقَ أو يُضَيِّقُهُ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثباتُ المشيئةِ للهِ؛ لقولِهِ تعالى: {لِمَنْ يَشَاءُ}.

فإن قال قائلٌ: هل هذه المشيئةُ مُجَرَّدَةٌ عن الحكمةِ أو مقرونةٌ بالحكمةِ؟

فالجوابُ: الثاني لا شكَّ، يعني: ليس عطاءُ اللهِ أو مَنْعُه مُجَرَّدُ أنه أراد، لا، لا بدَّ أن يكونَ لحكمةٍ، وهذه قاعدةٌ أَثْبِتْهَا في دماغِكَ، كلُّ شيءٍ قَرَنَهُ اللهُ بمشيئَتِهِ فإنه مقرونٌ بحكمةٍ ولا بدَّ، لا يُمْكِنُ أن يَفْعَلَ شيئًا عبثًا، كما قال اللهُ عَزَّ وَجلَّ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [الأنبياءِ: ١٦]، وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُون} [المؤمنون: ١١٥]، فكلُّ ما مرَّ بك شيءٌ مقرونٌ بالمشيئةِ فاعلمْ أنه تابعٌ لحكمةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

واقرأْ قولَ اللهِ تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [المزَّمِلِ: ١٩]، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} بعدها {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسانِ: ٣٠] يعني: فمشيئتُه مقرونةٌ بالعِلْمِ والحِكْمةِ.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن، رقم (١١٨)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>