قوله:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} يُنَزِّلُه من السماءِ، {الْغَيْثَ} أي: ما يَحْصُلُ به الإغاثةُ وهي الإنقاذُ من الشدَّةِ، أما المطرُ فقد يَنْزِلُ ولا تزولُ به الشدَّةُ، دليلُ ذلك قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "ليس السَّنَةُ أن لا تُمْطِرَ ولكن السَّنَةَ أن تُمْطِرَ فلا تُنْبِتُ الأرضُ شيئًا"(١).
{مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} أي: ما قَنَط العبادُ، قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الْغَيْثَ} المطرُ، {مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا}؛ أي: يَئِسُوا من نزولِهِ]؛ لتأخُّرِه عن وقتِه قالوا: إذن هذا العامُ لا مَطَرَ، فيُنْزلُ اللهُ المطرَ، وإنزالُ المطرِ على حينِ شفقةٍ له وقنوطٍ من نزولِهِ يكونُ أشدَّ وقْعًا في النفوسِ، وأبْيَنَ لرحمةِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وفَضْلِهِ.
وقولُهُ:{مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} بيانٌ للواقِعِ وليس تقريرًا للقنوتِ؛ لأنَّ القنوطَ حُكْمُه الشرعيُّ لا يَجُوزُ، بل هو من كبائرِ الذنوبِ. الإخبارُ بالواقعِ أو عن الواقعِ لا يعني إقرارَهُ، ودليلُ هذا قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "ليكونَنَّ من أمتي أقوامٌ يستحلُّونَ الحِرَّ والحريرَ
(١) أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في سكنى المدنية وعمارتها قبل الساعة، رقم (٢٩٠٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.