للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{مِنْ} حرفُ جرٍّ زائدٌ، و {سَبِيلٍ} مبتدأٌ مؤخَّرٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِهِ، مَنَعَ من ظهورِها اشتغالُ المحَلِّ بحركةِ حرْفِ الجرِّ الزَّائِدِ. والمعنى: فأولئك ما عليهم سبيل.

فإذا قال قائلٌ: ما هي فائدةُ حروفِ الجرِّ الزَّائدةِ؟

فالجوابُ: أنَّ فائدَتَها التَّأكيدُ، يعني: تأكيدَ النَّفْيِ.

من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَة الأُولَى: إثباتُ محبَّةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لذوي العدْلِ والقِسْطِ، يُؤْخَذُ ذلك من قولِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} مفهومُه أنَّ غيرَ الظَّالِمِ يحبُّهُ اللهُ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: ثبوتُ صفةِ المحبَّةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وهذه مسألةُ بَحْثٍ عَقَدِيٍّ. وجْهُ الدِّلالةِ: أنَّه لمَّا نفى مَحَبَّتَه للظَّالمين دلَّ ذلك على أنَّه يُحِبُّ العادلين ذوي القِسْطِ، وهذا الإستدلالُ يُشابِهُ استدلالَ الإمام الشَّافعيِّ (١) رَحِمَهُ اللَهُ على أنَّ المؤمنين يَرَوْنَ اللهَ؛ لقولِهِ تعالى في الفُجَّارِ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطفِّفِين: ١٥]، فقال: لو كان مُحْتَجَبًا على الجميعِ مثلًا فلا فائدةَ للنَّفْيِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: التَّحذيرُ من الظُّلْمِ، وجهُهُ أنَّ في الظُّلْمِ انتفاءَ محبَّةِ اللهِ للعبْدِ، وما أَعْظَمَ الخَسارةَ فيمن خَسِرَ محبَّةَ اللهِ له، اللهمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ من يُحِبُّكَ، وحُبَّ العملِ الَّذي يُقَرِّبُنَا إلى حُبِّكَ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ من انتصر لنَفْسِه بعد أن يُظْلَمَ فلا اعتراضَ عليه؛ لقولِهِ: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشُّورَى: ٤١].


(١) انظر: الإبانة لابن بطة (٧/ ٥٩ - ٦٠)، واعتقاد أهل السنة للَّالكائي رقم (٨٠٩، ٨١٠)، حلية الأولياء (٩/ ١١٧).

<<  <   >  >>