للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نقوُل: هذا المُطْلَقُ مُقَيَّدٌ بآيةِ سورةِ الإسراءِ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ} وهي الدنيا {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: ١٨].

قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{نُؤْتِهِ مِنْهَا} بلا تضعيفٍ لما قُسمَ له {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}] نسألُ اللهَ العافيةَ.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: حثٌّ على أن يريد الإنسانُ بعمَلِهِ الآخرةَ.

فإن قال قائلٌ: كيف يريدُ الآخرةَ بعملِ الدُّنْيا؟ ولنفرضِ الأكلَ والشُّرْبَ، ذَهَبَ الإنسانُ إلى السُّوقِ ليشتريَ خُبزًا وإِدامًا، كيف يُريدُ الآخرةَ؟

نقولُ: يُمْكِنُ أن يُريدَ الآخرةَ بذلك، فيريدُ أولًا امتثالَ أَمْرٍ اللهِ، لقولِهِ تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} ويريدُ ثانيًا: حِفْظَ قُوَّتِه وصِحَّتِه، وهذا أمرٌ مطلوبٌ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]، وَأَمَرَنا أن نأكُلَ من الطَّيِّباتِ ونشكُرَهُ، يريدُ بذلك التَّقَوِّيَ على طاعةِ اللهِ؛ لأنَّه كلما كان الجسمُ قويًّا كانت العبادةُ أَكْمَلَ، فيريدُ بأكْلِه وشُرْبِه، التَّقَوِّيَ على طاعةِ اللهِ، ويُريدُ بذلك التَّنَعُّمَ بكرمِ اللهِ؛ لأنَّ الكريمَ يُحبُّ أن يُقْبَلَ كَرَمُه. يعني: لو أنَّ رجلًا جَوَادًا كريمًا أهدى إليك هَدِيَّةً، فهو يُسَرُّ إذا قَبِلْتَهَا ويُغَمُّ إذا رَدَدْتَها. إنَّ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا أَكْرَمُ الأَكْرَمِين، فهو يُحِبُّ من عبادِه أن يَتَبَسَّطُوا بِنِعَمِه، ويَتَنَعَّمُوا بها.

إذن: هذا إرادةُ حَرْثِ الآخرةِ بعَمَلِ الدُّنْيا؛ أمَّا عَمَلُ الآخرةِ المَحْضُ؛ كالصَّلاةِ والصِّيامِ والحَجِّ وما أَشْبَهَ ذلك فهذا أَمْرُه واضحٌ.

<<  <   >  >>