للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: التحذيرُ من إرادةِ الدُّنْيا فقط؛ لقولِهِ: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ من أراد حَرْثَ الدُّنْيا؛ فإنه لا يُعطى كُلَّ ما أراد؛ لقولِهِ: {نُؤْتِهِ مِنْهَا} ومن أراد حَرْثَ الآخرةِ يُعطى كلُّ مرادِهِ وزيادةً.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: الإشارةُ إلى أن الأعمالَ بالنِّيَّاتِ؛ لقولِهِ: {يُرِيدُ} ففيه إشارةٌ إلى حُسْنِ النِّيَّةِ، وأن الإنسانَ ينبغي له إحسانُ النِّيَّةِ، بل يجبُ عليه إحسانُها.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: الرَّدُّ على الجبريَّةِ، يُؤْخَذُ من قولِهِ: {يُرِيدُ}؛ لأنَّ الجبريَّةَ يقولون: إنَّ الإنسانَ لا إرادةَ له، سبحانَ اللهِ! طَبَخَ الطعامَ ليأكُلَه، فهذا بغيرِ إرادةٍ! حَضَّرَ أدواتِ المنزلِ ليستعْمِلَها، قال: هذا ليس بإرادتي، ماذا تقولون في هذا الرَّأْيِ؟ هذا رأيٌ مخالفٌ للفِطَرِ، مخالفٌ لأدنى فِطْرَةٍ، حتى الصَّبِيُّ يَعْرِفُ إذا أُجْبِرَ وإذا فَعَلَ بالإختيارِ.

وقد قُدِّمَ لأميرِ المؤمنين عمرَ بنِ الخطَّابِ - رضي الله عنه - سارقٌ فأمر بقَطْعِ يَدِه، اقطعوا يَدَه تَمَّتْ شروطُ القطعِ، فقال: مهلًا يا أميرَ المؤمنين، واللهِ ما سَرَقْتُ هذا إلا بِقَدَرِ اللهِ. يريدُ أن يرتفعَ عنه الحَدُّ، فإذا كان بإرادةِ اللهِ ليس لي فيه اختيارٌ، فقال له أميرُ المؤمنين: ونحن لا نقطعُ يَدَكَ إلا بإرادةِ اللهِ. فَبُهِتَ! لا يستطيعُ أن يقولَ شيئًا، مع أن قَطْعَ يَدهِ كان بإرادةِ اللهِ الكونيَّةِ والشرعيَّةِ، والسارقُ بإرادةِ اللهِ الكونيَّةِ فقط؛ لأنَّه لم يُؤْذَنْ له بالسَّرقةِ.

إذن: في الآيَةِ ردٌّ على الجبريَّةِ، وهل في الآية ردٌّ للقَدَرِيَّةِ الذين يُنْكِرُون إرادةَ اللهِ فيما فَعَلَ العبدُ؟ الجوابُ: لا، ليس بها ردٌّ لقوْلِهم، لكن ليس فيها إثباتٌ لقوْلِهِم؛

<<  <   >  >>