للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} (لولا) يقولُ النحويون: إنها حرفُ امتناعٍ لوجودٍ، والذي امْتَنَعَ في هذه الآيةِ القضاءُ بينهم، والموجودُ كلمةُ الفَصْلِ، واعلمْ أن (لولا) حرفُ امتناعٍ لوجودٍ، و (لما) حرفُ وجودٍ لوجودٍ، و (لو) حرف امتناعٌ لامتناعٍ. فاقتسمت هذه الأدواتُ الثلاثُ المعانيَ الثلاثةَ.

(لو) حرفُ امتناعٍ لامتناعٍ؛ تقولُ: لو زُرْتَنِي لأكْرَمْتُكَ. هنا امتنعَ الإكرامُ لامتناعِ الزيارةِ. وتقولُ: (لمَّا) رَأَيْتُكَ أَكْرَمْتُكَ. هنا وُجِدَ الإكرامُ لوجودِ الرؤيةِ. وتقولُ: (لولا) زيدٌ لفعلْتُ كذا وكذا. هذا حرفُ امتناعٍ لوجودٍ.

{وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ} وهي كلمةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ السابقةُ التي قضى عَزَّ وَجَلَّ بها أن لكلِّ شيءٍ أَجَلًا مُقَدَّرًا، هذه الكلمةُ التي جَعَلَها اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لكلِّ شيءٍ أَجَلًا مقدَّرًا، لولا هذه لقضي اللهُ بينهم وبين المؤمنين بتعجيلِ العذابِ لهم.

[من فوائد الآية الكريمة]

الْفَائِدَة الأُولَى: أن من أطاع الزعماءَ والكبارَ في تحريمِ شيءٍ أَحَلَّه اللهُ، أو تحليلِ شيءٍ حَرَّمَه اللهُ، أو إيجابِ شيءٍ لم يُجِبْه اللهُ؛ فإنه قد اتخذهم شركاءَ.

ويترتَّبُ على هذه الفائدةِ: أن مُتَّبِعي دعاةِ البِدَعِ قد اتخذوهم شركاءَ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الأمورَ المشروعةَ لا بدَّ أن يكونَ فيها إذنٌ من اللهِ. يعني التي يَفْعَلُها الإنسانُ تديُّنًا لا بدَّ أن يكونَ فيها إذنٌ من اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لأنَّ اللهَ تعالى أَنْكَرَ على هؤلاء الذين اتخذوا شركاءَ {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} وهذا بمعنى قولِنا: الأصلُ في العباداتِ الحظْرُ والمنعُ، إلا إذا قام دليلٌ على مشروعِيَّتِه؛ وعليه فلو رأيْنا شخصًا تَعَبَّدَ بعبادةٍ لم نَكُنْ نَعْرِفُها فلنا أن نُنْكِرَ عَلَيْهِ حتى يأتيَ بدليلٍ؛ لأنَّ الدِّينَ مُتَلَقًّى من عندِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

<<  <   >  >>