للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ إن بعضُ النَّاسِ يريدُ أن يهتديَ النَّاسُ بين عَشِيَّةٍ وضحاها، وهذا غلطٌ، هذا لا يُمْكِنُ خلافَ سنَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. إنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَقِيَ في مكَّةَ ثلاثَ عَشْرَةَ سنةً يدعو إلى اللهِ إلى التَّوحيدِ فقط، وفي الآخِرِ إلى الصَّلاةِ ومع ذلك لم يَسْتَجِبْ أَكْثَرُهم، لم يَسْتَجِبْ مَلَؤُهم حتَّى أَلْجَؤُوه إلى أن يُهَاجِرَ ويَدَعَ بَلَدَه، فكيف بك أنت؟ تعيشُ في قومٍ أَفْسَدَهم الإستعمارُ العسكريُّ والفكريُّ والخُلقيُّ تريدُ أن يهتدوا بين عَشِيَّةٍ وضحاها؟ ! من أنت حتَّى تريدُ خلافَ سُنَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ ! فاصبِرْ وبالتَّدريجِ، ولا حَرَجَ عليك فيما أرى أن تُعَامِلَ النَّاسَ بالتَّدريجِ، ما دام المقصودُ الإصلاحَ فاصْبِرْ على بعضِ المعاصي ودَرِّجِ النَّاسَ عليها.

يعني مثلًا: لو أن الإنسانَ حَذَّرَ النَّاسَ من شُرْبِ الدُّخَانِ الَّذي ابْتُلِيَ به كثيرٌ من النَّاسِ، فقال له الشَّاربُ: أنا لا أستطيعُ، قال: لا مانعَ، كلَّ يومٍ اشربْ عَشَرَةً لمدةِ أسبوعٍ، ثم ثمانيةً لمدةِ أسبوعٍ حتَّى يتقاصَرَ إلى آخِرِ النِّهايةِ. فهذا جائزٌ، لأنَّنِي الآن لم أُقِرَّهُ على شُربِ الدُّخَانِ أَقْرَرْتُه على بعضِ المفسدةِ من أجْلِ أن أَتَوَصَّلَ إلى زوالِ المَفْسدةِ نِهَائيًّا.

وهذا من العلاجِ ومن الدَّعوةِ بالحكمةِ وهذا كما أنَّه في الأمراضِ المعنويَّةِ الدِّينيَّةِ فهو أيضًا في الأمراضِ البدنيَّةِ، الطبيبُ يعالجُ المريضَ شيئًا فشيئًا ويصْبِرُ على ما به من المَرَضِ شيئًا فشيئًا، ولا يُعطيه الدَّواءَ كاملًا للَحْظَةٍ واحدةٍ كما فعل أحدُهم لما أَعْطَوْه علاجًا، وقالوا له: خُذْ هذا كلَّ ستِّ ساعاتٍ واحدةً استبطأَ الأمْر وقال: هذا آخُذُه كلَّ ستِّ ساعاتٍ واحدةً؟ ! بل أَبْلَعُ الجميعَ! فَبَلَعَ الجميعَ فقُضِيَ عليه، استعجل الأمْرَ وهَلَكَ. فاصْبِرْ وعالِجِ الشَّيءَ بالَّتي هي أَحْسَنُ، المهمُّ: أن تكونَ عازمًا على إزالةِ هذا.

<<  <   >  >>