للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القولُ الثالثُ: في حالِ المرضِ ودنوِّ الأجلِ يُغلِّبُ جانبَ الرَّجاءِ؛ حتى يموتَ وهو مُحْسنٌ ظَنَّه باللهِ عَزَّ وَجَلَّ وفي حالِ الصِّحَّةِ يُغَلِّبُ جانبَ الخوفِ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا كان صحيحًا، فإنه يكونُ عنده شيءٌ من البَطَرِ والأشَرِ، ورُبَّما يُقْدِمُ على المعاصي والتهاوُنِ بالواجباتِ، فيُغلِّبُ هنا جانبَ الخوفِ، ولهذا جاء في الحديثِ: "نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ الصِّحَّةُ والفراغُ" (١) وعند العوامِّ يقولون: نعمتان مجحودتان: الصِّحَّةُ في الأبدانِ، والأمْنُ في الأوطانِ. وهذا ليس صحيحَّاَ، الصحيح: "نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ الصِّحَّةُ والفراغُ".

ولم يكن فارغًا إلا لأنَّه غَنِيٌّ؛ لأنَّ الفقيرَ لا يكونُ فارغًا، يعملُ ويَكْدَحُ ويَكْتَسِبُ، فهاتان النعمتان كثيرٌ من الناسِ مغبونٌ فيهما؛ لأنَّه لا يَرْبَحُ فيهما.

إذنِ القولُ الثَّالثُ أنه في حالِ المرضِ يُغلِّبُ جانبَ الرجاءِ، وفي حالِ الصِّحَّةِ يُغَلِّبُ جانبَ الخوفِ، ولكنَّ القولَ الوسطَ هو القولُ الثاني: إذا هَمَّ بالمعصيةِ فَلْيُغَلِّبْ جانبَ الخوفِ، وإذا فَعَلَ الطاعةَ فليغَلِّبْ جانبَ الرجاءِ.

مسألةٌ: هُناك كتابٌ يَتحدَّث عن تاريخِ نِهايةِ أُمَّة الإسلامِ، ويَستدِلُّ صاحبُه بأحاديثَ صحَّحها بعضُ العلماء، ويَنقل كلامَ بعضِ أهل العِلم في ذلِك، ويقولُ: بَقِي عليها سَبعُون سنةً أو ستُّون سنةً، قد تزيدُ قليلًا أو تَنْقُصُ قليلًا، أمَّا علمُ الساعةِ فعند اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويقول: فهذا عُمرُ أمَّةِ الإسلامِ.

الجوابُ: لا شكَّ أن هذا كَذِبٌ، ودَجَلٌ واتِّبَاعٌ للمتشابِهِ، عندنا آياتٌ صريحةٌ مثل الشمسِ: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب لا عيش إلا عيش الآخرة، رقم (٦٤١٢)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>