للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنْ يَنْبُتَ على ظهرِ بَطْنِ أُمِّهِ، لا بدَّ أنْ يكُونَ له سببٌ لوجودِه وبقائِهِ، وكذلك كلُّ الحوادِثِ لا بدَّ لها من سببٍ إمَّا معلومٍ، وإمَّا مجهولٍ.

أمَّا الحِسُّ فظاهرٌ أنَّ للأسبابِ تأثيرًا، لو أنَّكَ رَمَيْتَ زجاجةً بحَجَرٍ تَكَسَّرَت، فالَّذي كسرها هو الحَجَرُ. إذن لها سببٌ. لو أَوْقَدْتَ على الماءِ الباردِ صار حارًّا السَّببُ أَوْقَدْتَ عليه، هذا شيءٌ معروفٌ حسًّا، يرى بعضُ العلماءِ من سَفَاهَتِهم أنَّ الأسبابَ ليس لها تأثيرٌ إطلاقًا، سبحانَ اللهِ ليس لها تأثيرٌ، قالوا: نعم ليس لها تأثيرٌ، أليس إذا رَمَيْتَ الزُّجاجةَ بِحَجَرٍ انكسرت الزُّجاجةُ؟ قالوا: نعمْ، لكن حَصَلَ الإنكسارُ عند وُجودِ الرَّمْيِ، لا بوجودِ الرَّامي، كيف هذا؟ يقولون: لمَّا لمَسَ الحَجَرُ المقذوفُ الزُّجاجةَ انكسرت، هل هذا صحيحٌ؟ ليس صحيحًا، بدليلِ أنَّه لو أَتَيْتَ بِحَجَرٍ أَكْبَرَ من الزجاجةِ ثلاثَ مرَّاتٍ وَوَضَعْتَه جانبَ الزُّجاجةِ وَضْعًا ما انْكَسَرَت.

احتراقُ ما يَقْبَلُ الإحتراقَ في النارِ لسببٍ، وَضْعُ وَرَقَةٍ في النارِ تحترقُ فهذا أمرٌ معقولٌ مُدْرَكٌ بالحِسِّ، يقولُ: لا أبدًا لو أنك أَثْبَتَّ تأثيرَ الأسبابِ في مُسَبِّباتِها لكُنْتَ مُشْركًا باللهِ العظيمِ - أعوذُ باللهِ - لأنَّك جَعَلْتَ مع اللهِ خَالِقًا.

أقولُ: لم أَجْعَلْ مع اللهِ خالقًا، لكني أقولُ: إنَّ السَّبَبَ يؤثِّرُ لا بنفْسِه، ولا بما أَوْدَعَه اللهُ من قوَّةٍ ليس هو بنفْسِه، والدَّليلُ على هذا أنَّ نارَ إبراهيمَ وهي نارٌ عظيمةٌ أَحْرَقَتْ، جَمَعوا حطبًا عظيمًا وأَوْقَدوا عليها، حتى إنَّهم رَمَوْا إبراهيمَ بالمنجنيقِ؛ لأنَّهم لا يستطيعون أن يَحُومُوا حول هذه النارِ من حرارتِها، ماذا كانت؟ قال اللهُ تعالى لها: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩] فكانتْ بَرْدًا وسلامًا عليه فلم تؤثِّرْ.

إذن نحن نقولُ: إنَّها سببٌ لما أَوْدَعَ اللهُ فيها من قوَّةٍ، وليست المؤثِّرَةَ بنفْسِها.

<<  <   >  >>