قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [{فَمَنْ عَفَا} عن ظَالمِه] والعفوُ عنه يعني: عدمُ مؤاخَذَتِه. {وَأَصْلَحَ} يقولُ: [الوُدُّ بينه وبين ظالمِه]. وهذا تفسيرٌ قاصرٌ جدًّا، بل المرادُ أَصْلَحَ في عَفْوِه، أي: صار عَفْوُه مشتملًا على الإصلاحِ، وإنَّما قلنا ذلك؛ لأنَّ ما ذَكَرْنَاه أعمُّ وأنْفَعُ بالنِّسبةِ للمعنى.
إذن {وَأَصْلَحَ} المُفَسِّرُ يراها قاصرةً على إصلاحِ الوُدِّ بينه وبين من ظَلَمَه، والصَّوابُ: أنَّ المُرادَ أَصْلَحَ في عَفْوِهِ؛ أي: كان عَفْوُهُ إصلاحًا.
{فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} يقولُ المفَسِّرُ: [أي أنَّ اللهُ يَأْجُرُه لا محالةَ] أَجْرٌ بمعنى ثوابٍ، وسمَّى اللهُ - سبحانه - الثَّوابَ أجرًا؛ لأنَّه في مُقابِلِ عملٍ؛ كأُجْرَةِ الأجيرِ إذا قام بعمَلِه، وفيه أيضًا إيماءٌ إلى أنَّ هذا الثَّوابَ واجبٌ، كما يجبُ إعطاءُ الأجيرِ أَجْرَه، وقولُ المفَسِّرِ:[أي فإنَّ اللهَ يَأْجُرُه لا محالةَ] أَخَذَ هذا المعنى؛ يعني: قولَه: [لا محالةَ] من كَوْنِ الجملةِ اسميَّةً؛ لأنَّ الجُملةَ الإسميَّةَ تفيدُ الثُّبوتَ والإستمرارَ.
قولُهُ:{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [أي: البادئين بالظُّلْمِ فَيَتَرَتَّبُ عليهم عقابُهُ].
قوله:{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ} الضَّميرُ يَعُودُ على اللهِ عَزَّ وَجّلَّ {لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}؛ أي: المعتدين سواءٌ ظلموا أنْفُسَهم أو ظلموا غَيْرَهم؛ فصاحبو المعاصي غَيْرُ محبوبين إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ والمعتدي على عبادِ اللهِ غيرُ محبوبٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وقولُ المفَسِّرِ رَحِمَهُ اللهُ:[أي: البادئين بالظُّلْمِ]، فيه نظرٌ؛ فالآيةُ عامَّةٌ، تَشْمَلُ الظَّالمين ابتداءً والظَّالمين في الثَّاني. بمعنى: أنَّ المبتدئَ بالظُّلمِ غيرُ محبوبٍ إلى اللهِ، وكذلك من تجاوَزَ في حَقِّهِ؛ فإنه غيرُ محبوبٍ عند اللهِ؛ فإبقاءُ الآيةِ على إطلاقِهَا أَوْلَى؛ أي:{لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} ابتداءً، ولا اقْتِصاصًا.