للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بقولِهِ تعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمدٍ: ٤]، لو انتصرَ اللهُ منهم وأَهْلَكَهُم ما بَقِيَ للجهادِ محلٌّ، ولا بَقِيَ للمؤمنين محنةٌ واختبارٌ؛ ولهذا قال: {لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}.

وقولُهُ: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}؛ أي: مُعَيَّنٌ مُحَدَّدٌ؛ وذلك يومُ القيامةِ، يومُ القيامةِ محدَّدٌ في عِلْمِ اللهِ، لا يتقدَّمُ ولا يتأخَّرُ، كما أنَّ موتَ الإنسانِ مُحَدَّدٌ من قِبَلِ اللهِ لا يَتَقَدَّمُ ولا يَتَأَخَّرُ.

وقوله {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ}؛ أي: أَعْطُوهُ، مجانًا. يعني: بدون تعبٍ، كما أن الوارِثَ يَرِثُ مالَ مُوَرِّثِه بدونِ تعبٍ مجانًا.

وهل المرادُ بالكتابِ هنا التوراةُ والإنجيلُ، أمِ المرادُ بالكتابِ القرآنُ؟ ويكونُ المعنى: وإن الذين أُورِثُوا الكتابَ وهو القرآنُ من بَعْدِهِم؛ أي: من بَعْدِ الذين تَفَرَّقُوا من أهلِ الكتابِ وغيِرِهم {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ}؛ أي: من هذا الكتابِ {مُرِيبٍ} , هذا الذي قُلْته أَحْسَنُ مما ذَهَبَ إليه المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ.

أمَّا المُفسِّر فيُفيدُ قولُهُ: أنَّ المرادَ بالكتاب: التوراةُ والإنجيلُ؛ لأنَّه قال: [هم اليهودُ والنصارى] فاليهودُ لهم التوراةُ، والنصارى لهم الإنجيلُ، ولكن الظاهرَ أنَّ المرادَ بالكتابِ هو هذا القرآنُ.

وقوله: {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ}؛ أي: من هذا الكتابِ، {مُرِيبٍ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [موقعٌ في الرِّيبَةِ]، والريبةُ أشدُّ من الشكِّ؛ لأنَّها ارتيابٌ وقلقٌ، الشاكُّ قد يكونُ باردَ الضميرِ، ليس عنده قلقٌ، لكن المرتابَ أَشَدُّ، والغالبُ أن الإرتيابَ يكُونُ مع تَعَارُضِ الأدلَّةِ، التي كلُّ واحدٍ منها يقتضي أن يكونَ المصيرُ إليه، فيرتابُ

<<  <   >  >>