للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأرضِ، وما فيها موضعُ أرْبعِ أصابعَ إلَّا وفيه مَلَكٌ، فيكونُ العاقلُ باعتبارِ الجميعِ أكْثَرَ، لكن باعتبارِ ما في الأرضِ غيرِ العاقِلِ، كذلك أيضًا إذا اعتبرْنا الأوصافَ فالأوصافُ تَشْمَلُ العُقلاءَ وغيْرَهُم؛ فلهذا عَبَّرَ بـ (ما).

{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}؛ أي: يوجِدُه بَعْدَ العدَمِ، ولكنَّ الخَلْقَ ليس مُجَرَّدَ إيجادٍ، بل هو خَلْقٌ عن تقديرٍ {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ} هذا من جُمْلَةِ خَلْقِهِ أيضًا.

وقوله: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} الهِبَةُ هي التَّبرُّعُ بالشَّيْءِ مجانًا، وَوَصَفَ اللهُ تعالى الأولادَ بالهِبَةِ؛ لأنَّه لا طاقَةَ للإنسانِ في إيجادِهِم بل هو مجُرَّدُ فَضْلٍ من اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}.

قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ} من الأولادِ إناثًا] قولُهُ: [من الأولادِ] كيف تتلاءَمُ مع قولِهِ: [إناثًا]؟

الجوابُ: لأنَّ الأولادَ في اللغةِ العربيَّةِ تَشْمَلُ الذَّكَرَ والأنثى، كما في قولِهِ تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النِّساءِ: ١١].

وقوله: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشُّورَى: ٤٩]، ولم يَقُلْ: ذكورًا، بل أتى بـ (أل) المعرفةِ الدَّالَّةِ على شرفِ مَدْلُولهِا، فإنَّ الذُّكُورَ عند النَّاسِ أَشْرَفُ من الإناثِ، ولكن مع هذا جَبَرَ نَقْصَهُنَّ بتقديمِ ذِكْرِهِنَّ على الذكورِ، أو يقالُ: إنَّ اللهَ قَدَّمَ الإناثَ؛ لأنَّ إرادةَ الإنسانِ أن يَكُونَ أولادُهُ ذكورًا، فقدَّمَ الإناثَ إشارةً إلى أنَّ الأمْرَ إلى اللهِ وَحْدَهُ لا إلى ما يريدُ الإنسانُ ويهواه.

قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ} أي: يَجْعَلُهم] والصَّوابُ: يُصَنِّفُهم؛ لأنَّ التَّزويجَ بمعنى التَّصنيفِ، كما قال اللهُ تعالى: {وَآخَرُ مِنْ

<<  <   >  >>