للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [العدْلُ] وعَبَّرَ عن العدلِ بالميزانِ؛ لأَنَّه يُعْرَفُ به العدلُ {وَمَا يُدْرِيكَ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أيْ ما يعلمك] أَيُّهَا المخاطَبُ {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} أي: إتيانُها قريبٌ، وعَبَّرَ المُفسِّر بقولِهِ: [أي إتيانَها] ليطابِقَ قولَهُ: {قَرِيبٌ}؛ لأنَّ قريبٌ مُذَكَّرٌ والساعةَ مؤنثٌ وكان مقتضى ذلك أن يقولَ: "وما يدريك لعل الساعة قريبة"، لكنه قال: {قَرِيبٌ} احتاج المُفسِّر أن يُؤَوِّلَ هذا إلى قولِهِ: "إتيانها" حتى يكون مُذَكَّرًا ويكونَ قريبًا مطابِقًا له. إذن فالآيةُ على تقديرِ المضافِ ألجأُ إلى تقديرِهِ أن الخبرَ مُذَكَّرٌ والساعةَ مُؤَنَّثٌ.

وقال بعضُ العلماءِ: إن {قَرِيبٌ} صفةٌ يستوي فيها المذكَّرُ والمؤنَّثُ؛ كقتيلٍ وجريحٍ، وقال: إن هذا له نظائرُ في القرآنِ منها قولُهُ تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: ٦٣]، ومنها قولُهُ تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٥٦]. قال: فلما اطَّرد تذكيرُها في مواضعَ عدَّةٍ وَجَبَ أن يقال: إن قريبٌ - يعني هذا اللفظَ - يستوي فيه المُذَكَّرُ والمؤَنَّثُ؛ وبناءً على هذا لا نحتاجُ إلى تقديمٍ؛ لأنَّ الأصلَ في الكلامِ عدمُ التقديمِ.

وقوله: {قَرِيبٌ} وَصَدَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الساعةُ مهما طال الزمنُ فهي قريبةٌ، لا من حيث الساعةُ العموميةُ ولا من حيثُ الساعةُ الخصوصيَّةُ. الساعةُ الخصوصيَّةُ ساعةُ كلِّ إنسانٍ بحَسَبِه، ساعةُ كلِّ واحدٍ منا قريبةٌ، لو نَبْلُغُ آلافَ السنين؛ لأنَّ ما مضى من سنين كأن لا شيءَ، الآن مضى أمسِ القريبُ كأنه لم يَكُنْ، ويومُ ولادتِك كأنه أمسِ.

إذن الساعةُ قريبٌ باعتبارِ كلِّ إنسانٍ بنفْسِه، وكذلك الساعةُ الكبرى هي قريبةٌ أيضًا {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: ٤٦]، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ

<<  <   >  >>