إذن:{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ}؛ أي: يحاجُّون كلَّ من يجادلُهُم في اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وأيضًا ليس بدِينِ اللهِ فقط، بل في دينِ اللهِ، وذاتِ اللهِ، وكلِّ ما يتعلَّقُ باللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وقولُهُ:{مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} يعني: من بَعْدِ ما استجاب له مَنْ مَنَّ اللهُ عليهم بالإستجابةِ. وهذه الجملةُ كإقامةِ البرهانِ على هؤلاء.
قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} بالإيمانِ، لظهورِ معجزتِهِ، وهم اليهودُ]. هذا قولُهُ: [{مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} بالإيمانِ] صحيحٌ، وقولُهُ:[لظهورِ معجزتِه] بناءً على أنهم يحاجُّونَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وإذا قُلْنَا بالعمومِ؛ فلا حاجةَ إلى هذا القيدِ.
وقولُهُ:[وهم اليهودُ] أيضًا فيه نظرٌ، بل نقولُ: كلُّ من يحاجُّ في اللهِ، حتى المشركون من قريشٍ وغيرُهُم حاجَّهُمُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أليسوا يخاصمونه دائمًا، ويستهزئون به، ويَسْخَرون منه؟ فتقييدُ هذا أيضًا باليهودِ فيه نظَرٌ.
فصار عندنا الآن أشياء في هذه الآيةِ؛ خَصَّصَها المُفسِّر بشيء: الأوَّلُ قَوْلهُم: {فِي دِينِ اللَّهِ} وهو أعمُّ، والثاني: نَبِيُّهُ، وهو كذلك أعمُّ.
قولُهُ:{حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} نقولُ: داحضةٌ باطلةٌ، لكنَّ الدحوضَ أشدُّ البطلانِ. يعني: باطلةٌ بطلانًا لا فوقه، {دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} فلا تنفعُهم، وسيأتي - إن شاء اللهُ - بيانُ هذا في فائدةِ قولِهِ:{عِنْدَ رَبِّهِمْ}.
قولُهُ:{وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} عليهم غضبٌ من اللهِ ومن أولياءِ اللهِ، ولهذا لم يقيِّدِ الغضبَ بكونِهِ من اللهِ؛ لإفادةِ العمومِ. وتأمَّلْ سورةَ الفاتحةِ حيث قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة: ٧] لأنَّ النعمةَ من اللهِ، وإضافتَها