للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال قائلٌ: بماذا تُفَسِّرُون الغضبَ؟

فالجوابُ: نُفَسِّرُ الغضَبَ: بأنه صفةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ لائقةٌ به، وليس كغضبِ المخلوقين.

فإن قال قائلٌ: ما قوُلكُم فيمن يُفَسِّرُ غضبَ اللهِ بانتقامِهِ، فيقولُ: غَضِبَ بمعنى انْتَقَمَ، أو بمعنى أرادَ الإنتقامَ؟ فالجوابُ: نقولُ هذا غلطٌ خطأٌ يُبطلُه أدلةٌ:

أولًا: أنَّ اللهَ تعالى قال: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: ٥٥]، ومعنى: {آسَفُونَا} أغضبونا فـ {انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} فجعل الإنتقامَ مُرتَّبًا على الغضبِ؛ فهما متباينان.

ثانيًا: أن نقولَ: إن الغضبَ الذي نُثْبِتُه للهِ ليس كغضبِ المخلوقِ، إذا غَضِبَ أساء التصرُّفَ، ولم يَتَصَرَّفْ تَصَرُّفَ الحكيمِ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا غَضِبَ تكلَّمَ بكلامٍ يندمُ عليه، وفَعَلَ أفعالًا يَنْدَمُ عليها، رُبَّما يُطَلِّقُ زوجاتِهِ ربما يُوقِفُ أملاكَهُ، ربما يُحَرِّرُ عبيدَه من شدةِ الغضبِ، لكنَّ غضبَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ينتفي عنه ذلك غايةَ الإنتفاءِ، فهو حكيمٌ وإن غَضِبَ عَزَّ وَجَلَّ.

فإن قال قائلٌ: هل الغضبُ صفةُ مدحٍ أو صفةُ عيبٍ؟

فالجوابُ: الغضبُ صفةُ مدحٍ في محلِّها؛ لأنَّه يدلُّ على قوةِ الغاضِبِ وقُدرتِه على الإنتقامِ، بخلافِ الحزْنِ، ولهذا لا يُوصَفُ اللهُ بالحزنِ؛ لأنَّه صفةُ ذمٍّ، وإنما يوصَفُ بالغضبِ بما يدلُّ على قدرته على الإنتقامِ، انظرْ مَثلًا إلى رجلٍ أساء إليه ابنُه، فإنه يغضبُ ويؤدِّبُه، وانظرْ إلى شخصٍ ضعيفٍ أساء إليه رجلٌ قويٌّ فإنه يَحْزَنُ، ولا يستطيعُ أن يَغْضَبَ، ماذا يفعلُ إذا غَضِبَ؟ فرجلٌ مِثْل الجَمَل بقوةِ الفيلِ

<<  <   >  >>