للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فوق بعضٍ درجاتٍ؛ {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرفِ: ٣٢]. هذا ما ذهب إليه المُفسِّر، ولكن قد يقالُ: إن قولَه تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ} شاملٌ للجميعِ أو للأفرادِ، فإن الإنسانَ لو بَسَطَ اللهُ له الرزقَ بغى واستغنى؛ ولذلك تجدون أكثَرَ من يُكَذِّبُ الأنبياءَ هم الملأُ الأغنياءُ الكبراءُ، وأمَّا الفقراءُ الضعفاءُ ففي الغالبِ هم الذين يَتَّبِعُون الأنبياءَ، فيكونُ المعنى المرادُ بقولِهِ: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ} المرادُ الجنسُ يعني: لواحدٍ من عبادِهِ لبغى في الأرضِ.

قولُهُ: {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يُنَزِّلُ} بالتخفيفِ وضِدِّه] ضِدُّهُ التشديدُ؛ يعني: يُنزِّلُ ويُنزِلُ، ينزِّلُ من نزَّلَ ويُنزِلُ من أنزَلَ وقولُهُ: [بالتخفيفِ وضِدِّهِ] اصطلاحُ المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أنه إذا أتى بِمِثْلِ هذا التعبيِر فالقراءتان سَبْعِيَّتَانِ، وكذلك إذا قال: وفي قراءةٍ، فالقراءتان سَبْعِيَّتان، أمَّا إذا قال: وقُرِئَ فالقراءةُ شاذَّةٌ؛ لأنَّه أتى بها بصيغةِ التمريضِ، هذا التعبيرُ الذي معنا [بالتخفيفِ وضِدِّهِ] على حدٍّ سواءٍ يعني: ساوى بين القراءتين، وعلى هذا فهما سبعيتان.

قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [من الأرزاقِ] بيانٌ للمنزَّلِ، فالمُضْمَرُ إذن من الأرزاقِ، ويدلُّ على أن المُضْمَرَ من الأرزاقِ قولُهُ: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ}؛ أي بتقديرٍ مكتوبٍ في الأزلِ لا يتغيَّرُ، ولا يتبدَّلُ {مَا يَشَاءُ} فيبسطُها لبعضِ عبادِه دون بعضٍ، وينشأُ عن البسْطِ البغيُ {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}.

قولُهُ: {بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} هذه المشيئةُ كما سبق مقرونةٌ بالحكمةِ، فمن اقتضتِ حكمةُ اللهِ أن يُغْنِيَهُ أغناه، ومن اقتضتْ حكمةُ اللهِ أن يُفْقِرَهُ أَفْقَرَهُ.

وفي الحديثِ القدسيِّ "إن من عبادي من لو أغنيْتُه لأفسده الغنى، وإن من

<<  <   >  >>