للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النَّحلِ: ١٢٥]، وقال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}، فالمجادَلَةُ لإثباتِ الحقِّ وإبطالِ الباطلِ واجبةٌ لكنْ بشَرْطِ أن يَكُونَ عند الإنسانِ عِلْمٌ بما يُجادِلُ به، فإن لم يَكُنْ له عِلْمٌ فالواجبُ أَلَّا يُجادِلَ؛ لأنَّه إذا جادل لإثباتِ الحقِّ بدون عِلْمٍ فقد تَنْعَكِسُ القضيَّةُ عليه، يُورَدُ عليه من الشُّبُهاتِ ما لا يستطيعُ دَفْعُه، وحينئذٍ ينقطعُ وانقطاعُ المجادِلِ بالحقِّ ليس ضررُه على نفْسِه، بل هو على نفْسِه وعلى الحقِّ الَّذي يجادِلُ من أجْلِ إثباتِهِ.

فالجدال المنهي عنه هو جدالُ المِراءِ الَّذي يُقْصَدُ به المُغالَبَةُ، أمَّا الَّذي يُقْصَدُ به إثباتُ الحقِّ فواجبٌ. وقولُهُ تعالى في الحجِّ: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ} [البقرةِ: ١٩٧] هذا الجدالُ الَّذي من أَجْلِ أن يمارِيَ السُّفهاءَ أو بغيرِ فائدةٍ، أمَّا لإثباتِ الحقِّ فلا بدَّ منه، ويَجِبُ للمُجَادِلِ لإثباتِ الحقِّ أن تَكُونَ نِيَّتُه إعلاءَ كلمةِ الله، فإن شَابَهُ شيءٌ من الرِّياءِ فإنَّه يَبْطُلُ، لكن يجبُ للإنسانِ أنْ يدافعَ الرِّياءَ، أو يقصدُ مثلًا بالرِّياءِ أن يَعْلُوَ على هذا العدوِّ المجادِلِ بالباطِلِ.

وهل المجادَلَةُ تحصُلُ بالغريزةِ أو بالمِرانِ؟

الجوابُ: بهما كليهما، قد يعطي اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الإنسانَ قُوَّةَ حُجَّةٍ وقريحةً وسرعةَ إجابةٍ، وهذا من اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وقد يكونُ قليلًا في هذه الناحيةِ من أَصْلِ خِلْقَتِه، ولكن مع المجادَلَةِ يَتَمَرَّنُ، ولهذا كان بعضُ أهْلِ العِلْمِ إذا أراد أن يُحَرِّرَ مسألةً ويُثْبِتَها، فَرَضَ نَفْسَه على مجادلٍ فيعرضُ على نفْسِه إشكالًا ثمَّ يجيبُ عنه، ثمَّ إشكالًا ثمَّ يجيبُ عنه، حتَّى يَتَمَرَّنَ على المجادَلَةِ، ويُذْكَرُ أنَّ عامِّيًّا يجادِلُه نصرانيٌّ يقولُ له: أنتم أيُّها المسلمون ظَلَمَةٌ. قال لِمَ؟ قال: لأنَّكم تجيزون أن تتزوجوا منَّا ولا تجيزون أن نتزوَّجَ

<<  <   >  >>