للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا هو الواقعُ أنَّ متاعَ الحياةِ الدُّنْيا يزولُ، أو يُزَالُ عنه؛ يعني: إمَّا هذا وإمَّا هذا، لو قُدِّرَ أن الإنسانَ أن يبقى غنيًّا، صحيحَ الجسْمِ، آمِنَ المقامِ، أليس من الجائِزِ أن يُسْلَبَ هذا؟ بلى، فيكونُ متاعًا قد زال، فإن لم يَزُلْ عنه زال الإنسانُ عنه. مَن الَّذي مُتِّعَ أَبَدَ الآبدين؟ لا يوجَدُ، قال اللهُ تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: ٣٤].

وقوله: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (مَا) هذه اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ، و {خَيْرٌ} خَبَرُهُ، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} خيْرٌ من متاعِ الدُّنْيا في ذاتِهِ ونوعِهِ وكلِّ مُتَعِه، {وَأَبْقَى}؛ أي: أَدْوَمُ؛ لأنَّ متاعَ الدُّنْيا يزولُ، فنعيمُ الآخرةِ جَمَعَ بين الوَصفَيْن: أنَّه خيرٌ، وأنَّه أبقى، فباعتبارِ نوعِهِ وجِنْسِه وأصنافِه هو خيرٌ، وباعتبارِ بقائِهِ هو أبقى، والإنسانُ لا يُريدُ من النَّعيمِ إلَّا هذا، لا يريدُ إلا الأَكْمَلَ والأبقى حتَّى لا يزولَ عنه، لكن لمن {لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} {خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.

وذلك لأنَّ ما في الدُّنيا فهو متاعٌ زائلٌ مُنَغِّصٌ لا يكادُ يمرُّ بك أسبوعٌ إلَّا وَجَدْتَ التَّنغيصَ، وهذا على حدِّ قوْلِ الشَّاعِرِ:

فيومٌ علينا ويومٌ لنا ... ويومٌ نُساءُ ويومٌ نُسَرُّ (١)

أمَّا الآخرةُ فهي خيرٌ مَحْضٌ ليس فيه شَرٌّ، وأيضًا هو أبقى؛ يعني: أَدْوَمُ، متاعُ الدُّنيا قليلٌ يزولُ سريعًا، بخلافِ ما عند اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

واعْلَمْ أنَّ مِثْلَ هذه العِبارةِ وَرَدَتْ على ثلاثةِ أوْجُهٍ:


(١) البيت للنمر بن تولب، انظر: الكتاب لسيبويه (١/ ٨٦)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (١/ ٣٤٦).

<<  <   >  >>