للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتوكَّلُون {يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} كَبَائِرُ جَمْعُ كَبِيرَةٍ، وما ذَكَرَ الشَّرعُ أنَّه كبيرةٌ فهو كبيرةٌ؛ كقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ في حديثِ أبي بَكْرَةَ: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكبرِ الكبائِرِ؟ " قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: "الإشراكُ باللهِ، وعُقُوقُ الوالدَيْنِ - وكان متَّكئًا فجلس - فقال: ألا وقَوْلُ الزُّورِ، ألا وشهادةُ الزُّورِ" (١) هنا نَصَّ على أنَّها كبيرةٌ.

أمَّا ما لم يَنُصَّ عليه الشَّرعُ فقد اختلف العُلَمَاءُ رَحِمَهُم اللهُ في حدِّ الكبيرةِ، وأَقْرَبُ شيءٍ ما اختاره شيخُ الإسلامِ ابْنُ تيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ فقال: "إنَّ الكبيرةَ ما رُتِّبَ عليه عقوبةٌ خاصَّةٌ" (٢)؛ يعني: ما خُصَّ بعقوبةٍ؛ وذلك أنَّ المَنْهِيَّاتِ تَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْنِ: قِسْمٍ فيهِ النَّهيُ أو التَّحريمُ أو ما أَشْبَهَ ذلك، لكنْ لم يُذْكَرْ فيه عقوبةٌ، وقِسْمٍ آخَرَ ذُكِرَ فيه العقوبةُ، فيقولُ: ما ذُكِرَ فيه عقوبةٌ خاصَّةٌ فهو كبيرةٌ، إذا رُتِّبَ على الذَّنبِ لعنةٌ، كقولِهِ: لَعَنَ اللهُ من لَعَنَ وَالِدَيْهِ. يكُونُ كبيرةً؛ لأنَّه رُتِّبَ عليه عقوبةٌ خاصَّةٌ وهي اللَّعنُ، وإذا رُتِّبَ عليه السُّخْطُ فهو كبيرةٌ؛ كقولِ النِّبيِّ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ في المرأةِ "تَبِيتُ وزَوْجُهَا سَاخِطٌ عليها فإن اللهَ يَسْخَطُ عليها" (٣)، هذا كبيرةٌ، إذا قيل: "ليس منا من شَقَّ الجُيُوبَ ولَطَمَ الخُدُودَ ودعا بدعوى الجاهليَّةِ" (٤)، فهو


(١) أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، رقم (٢٦٥٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم (٨٧)، من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -.
(٢) مجموع الفتاوى (١١/ ٦٥٠).
(٣) أخرجه الترمذي: كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن أم قوما وهم له كارهون، رقم (٣٦٠)، من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، بلفظ: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: .. ، فذكر منهم: وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط".
(٤) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب، رقم (١٢٩٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، رقم (١٠٣)، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>