فالجوابُ: هذا هو الواجِبُ؛ لكن قد يَظُنُّ الظانُّ أنَّ هذه المَظْلِمَةَ لا يسوغُ أن يُتَجَاوَزَ فيها، وهي مَظْلِمَةٌ عظيمةٌ؛ كدُعاءِ سعدٍ - رضي الله عنه - على من ظَلَمَه، وقال: إنَّه يَظْلِمُ الرَّعيَّةَ، ولا يَقْسِمُ في السَّوِيَّةِ، ويؤخِّرُ الصَّلاةَ عن وَقْتِها. فدعا عليه بدعوةٍ عظيمةٍ: اللهمَّ أَعْمِ بَصَرَهُ، وَأَطِلْ عُمرَهُ، وَعَرِّضْهُ للفِتَنِ (١).
فهذه قد يقولُ القائلُ: إن هذه أكبرُ من ظُلْمِه، ولكنَّها في الحقيقةِ ليست أكبرَ؛ لأنَّ ظُلْمَهُ له يَتَضَمَّنُ القَدْحَ في وَلِيِّ الأمْرِ، حيث وَلَّى على النَّاسِ مِثْلَ هذا.
مسألة: إذا ضَرَبَ مثلما ضُرِبَ يكفي، ونعلمُ أنَّ الضَّربةَ أكثرُ العُلَمَاءِ يقولون: لا قِصاصَ فيها؛ إلَّا أن يموتَ، ونَعْلَمُ أنَّ مِثْلَ هذه الضَّربةِ تَقْتُلُ غالبًا، فيُقْتَصُّ منه.
لكن لِنَقُلْ غَيْرَ هذه المسألةِ: فقيرٌ أخَذ منه غنيٌّ عَشَرَةَ ريالاتٍ، صار الفقيرُ مُعْدَمًا، هذا الَّذي أَخَذَ منه عَشَرَةُ ريالاتٍ عنده ملايينُ، إذا أُخِذَ منه عَشَرَةُ ريالاتٍ ما ضَرَّه شيءٌ، فنقولُ: العدلُ أن يُعْطى هذا مِثْلَ ما أُخِذَ منه فقط.
فإن قال قائلٌ: أحيانًا يموتُ الظَّالمُ ولم يُقتصَّ منه، فهل يجوزُ الدُّعاءُ عليه بعد موتِهِ؟
فالجوابُ: لا بَأْسَ، له أن يَدْعُوَ عليه ولو بعد موتِهِ؛ مع أنَّ المظلومَ لو فُرِضَ أنَّه لم يَدْعُ؛ فإنَّ حَقَّه سوف يأتيه يومَ القيامةِ، وهو إذا استوفى بالدُّعاءِ عليه لم يَأْخُذْ من حسناتِهِ يومَ القيامَةِ.
(١) أخرجه عبد الرزاق (٢/ ٣٦٠)، والبزار رقم (١٠٦٢)، وأبو يعلى رقم (٦٩٣)، من حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه -.