وقوله:{لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} أي: حين رأوُا العذابَ بأعيُنِهم يقولون: {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}(هل) استفهامٌ للتَّمنِّي يعني: يَتَمَنَّوْنَ أن يَكُونَ لهم سبيلٌ إلى الرَّدِّ، وقولهم:{إِلَى مَرَدٍّ} وأي: إلى مَرْجِعٍ، والمرادُ: مَرْجِعٌ للدُّنيا ليعملوا صالحًا، ولكنَّ هذا التَّمَنِّيَ باءَ بالفشلِ؛ لأنَّ ذلك أمرٌ غيرُ مُمْكِنٍ، بل قد قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}[الأنعام: ٢٨] فهم يَتَمَنَّوْنَ هذا ويدَّعُون أنَّهم إذا رَجَعُوا صَلُحُوا ولكنَّ الأمْرَ ليس بذلك.
قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} أي: من طريقٍ]: والجوابُ: لا سبيلَ، وكما تقدَّم لو رُدُّوا لعادوا لما نُهُوا عنه، كما أنَّهم إذا غَشِيَهم موجٌ كالظُّلَلِ في البحارِ ودَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ؛ إذا نَجَوْا عادوا إلى الشِّرْكِ قال:{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} غُدُوًّا وعَشِيًّا كلمةُ (ترى) هنا والَّتي قبلها هل المرادُ بها الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم - وَحْدَهُ أو ترى أيُّها المخاطَبُ؟
الجوابُ: الثَّاني؛ لأنَّنا إذا قلنا بالثَّاني صار أعمَّ ممَّا إذا قلنا بالأوَّلِ {وَتَرَاهُمْ} أيُّها الرَّائي {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}.
ثُم قال المفسِّرُ: [{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا}؛ أي: على النَّارِ] {خَاشِعِينَ} خائفين مُتَوَاضِعِينَ {مِنَ الذُّلِّ}(مِنَ) للسَّببيَّةِ؛ أي: بسببِ ذُلِهِّم، هؤلاء الَّذين كانوا في الدُّنيا مُسْتَكبِرين مُتَعَنْجِهِين لا يَرَوْنَ النَّاسَ شيئًا ولا يَقْبَلُون الحقَّ يُعْرَضُون على النَّارِ على هذا الوصْفِ {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ} يعني: قد امتلأت قلوبُهُم ذلًّا.
فيُعْرَضُون عليها قبل أن يَدْخُلُوها، والكفَّارُ لا يحاولون الصُّعودَ على الصِّراطِ؛ لأنَّهم يُصْرَفُون إلى جهنَّم في عَرَصَاتِ القيامةِ.