للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيهم: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطُّورِ: ٢١]، يعني: حتَّى لو كانتِ الذُّرِّيَّةُ نازلةَ المَرْتَبَةِ، فإن اللهَ يَرْفَعُهُم إلى آبائِهِم هؤلاء - والعياذُ باللهِ - يُفَرَّقُ بينهم وبَيْنَ أَهْلِيهم في النَّارِ، حتَّى لو جُمِعَ بينهم فماذا يكونُ؟ فخُسْرَانُهُم أَهْلِيهم واضحٌ، لكن كيف خسروا أنْفُسَهم؟ خسروا أنْفُسَهم لأنَّهم لم يستفيدوا من الحياةِ الدُّنيا شيئًا، حياتهم خَسارةٌ؛ لأنَّهم لم يستفيدوا منها شيئًا فلم يؤمِنوا باللهِ ورُسُلِهِ.

وقولُ المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [بتخليدِهِم في النَّارِ وعدمِ وصولهِم إلى الحُورِ المُعَدَّةِ لهم في الجنَّةِ لو آمنوا] في هذا نظرٌ ظاهرٌ، والمرادُ بـ {وَأَهْلِيهِمْ} أَهْلُوهم في الدُّنيا وليس المرادُ الحُورَ المُعَدَّةَ لهم في الآخرةِ لو آمنوا؛ لأنَّ هذا قد عُلِمَ من قَبْلُ فإنَّه يقالُ للميِّتِ إذا دُفِنَ في قبْرِه: هذا مقعدُك من الجنَّةِ يعني لو آمَنْتَ، ويُقالُ للمؤمِنِ: هذا مَقْعَدُك من النَّارِ يعني لو لم تُؤْمِنْ. فالمرادُ بالأهلين هنا: أهلوهم في الدُّنْيا لم يربحوا، وقولُ المفسِّرِ رَحِمَهُ اللَّهُ: [والموصولُ خبرُ إنَّ] {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} هذا هو الموصولُ، ونَبَّهَ على ذلك؛ لئلَّا يظنَّ الظانُّ أنَّ الَّذين خَسِروا صفةٌ للخاسرين.

قال المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ} الكافرين {فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} دائم وهو من مَقُولِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى] يعني: ليس من مَقُولِ الَّذين آمنوا {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} [الشُّورَى: ٤٥].

ولو نَظَرْنا إلى السِّياقِ لقلنا: إن هذا بقيَّةُ كلامِ المؤمنين لكنَّ المفَسِّرَ نَبَّهَ على أنَّ هذا من كلامِ اللهِ، وليس من كلامِ الَّذين آمنوا، والسِّياقُ مُحْتَمِلٌ لهذا وهذا، محتمِلٌ أن يَكُونَ كما قال المفسِّرُ من كلامِ اللهِ، ومحتمِلٌ أن يَكُونَ من كلامِ الَّذين آمنوا، والَّذين آمنوا يعلمون أنَّ الظالمين في عذابٍ مُقيمٍ من الوقتِ الَّذي هم فيه في الدُّنيا؛ لأنَّهم

<<  <   >  >>