الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَخْلُقُ ما يشاءُ من الأعيانِ والأوصافِ، على أيِّ كيفيَّةٍ وعلى أيِّ صفةٍ؛ ولهذا انظرْ إلى مخلوقاتِ اللهِ هل هي واحدةٌ؟ لا، ليست واحدةً تختلفُ اختلافًا عظيمًا كبيرًا في الشَّكْلِ، في الأيدي، في الأرْجُلِ، في الغذاءِ، في كلِّ شيءٍ، فاللهُ تعالى يَخْلُقُ ما يشاءُ، لكن اعْلَمْ أنَّ اللهَ تعالى هدى كلَّ مخلوقٍ لما خُلِقَ له، قال اللهُ تعالى: عن موسى حين سَأَلَهُ فرعونُ: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} أيْ: خَلْقَهَ اللَّائقَ به {ثُمَّ هَدَى}[طه: ٥٠]؛ أي: هَدَى كلَّ مخلوقٍ لما خُلِقَ له؛ ولذلك تَجِدُ هذا المخلوقَ لا يَأْكُلُ من هذا النَّوعِ من العُشْبِ والمخلوقَ الآخَرَ يأكُلُ منه، تجدُ هذا المخلوقَ لا يَسْكُنُ هذا النَّوعَ من الأرْضِ ويَسْكُنُ أرضًا أخرى، ومخلوقًا آخَرَ بِضِدِّهِ.
الرَّمْلُ مثلًا لا يَسْكُنُه النَّملُ؛ لأَنَّه لا يَمْلِكُ الجحورَ لكن يَسْكُنُه الحشراتُ أو الزَّواحفُ الَّتي تَنْدَسُّ في الرَّملِ؛ لأنَّ هناك زواحفَ صغيرةً تَنْدَسُّ في الرمْلِ اندساسًا، وتشاهدُها كأنما يغوصُ السَّابحُ في الماءِ وليس لها جحورٌ، هناك أشياءُ لا تَسْكُنُ هذا النَّوعَ من الأرضِ بل تَسْكُنُ أرضًا صُلْبَةً حتَّى تَبْنِيَ لها الجحورَ، أشياءُ غريبةٌ في مخلوقاتِ اللهِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ}.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ الأولادَ هبةٌ من اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لقولِهِ:{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ} ويَهَبُ، ويَهَبُ، والهِبةُ: هي العَطِيَّةُ بلا عِوَضٍ. فما هو العِوَضُ الَّذي علينا بالنِّسبةِ لهذه النِّعَمِ؟ الجوابُ هو الشُّكْرُ.
وهنا سؤالٌ هل يجوزُ أن تُسَمِّيَ ابْنَك أو بِنْتَك "هِبةَ اللهِ"؟
الجوابُ: يجوزُ، ولهذا قال الفقهاءُ رَحِمَهُم اللَّهُ في السِّقْطِ - يعني الحَمْلَ -: إذا سَقَطَ بعد أن تُنْفَخَ فيه الرُّوحُ فَسمِّه ولو مات في الحالِ سَمِّه، فإذا جَهِلْتَ أنَّه ذكرٌ أم أنثى فسمِّه اسمًا يَصْلُحُ لهما بأن تقولَ: هذا "هبةُ اللهِ"، وسَمِّهِ "هِبةَ اللهِ".