للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يحتاجُ إلى تَعَهُّدٍ كثيرٍ، أمَّا القرآنُ فلا بدَّ أن تَتَعَهَّدُه كثيرًا وإلَّا نَسِيتَهُ، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَعَهَّدُوا بالقرآنِ، فوالَّذي نفسي بيَدِهِ لهو أشدُّ تَفَصِّيًا - أو تَفَلُّتًا - من الإبِلِ في عُقُلِهَا" (١).

والحكمةُ من أنَّ القرآنَ يُنْسَى أكثرُ من غيرِهِ:

أوَّلًا: الإبتلاءُ؛ لِيَعْلَمَ اللهُ تبارك تعالى من هو راغبٌ في حِفْظِ القرآنِ ومن هو غيرُ راغبٍ.

ثانيًا: كثرةُ الأجْرِ والثَّوابِ بتردادِه، فإنَّ في كلِّ حرفٍ عَشْرَ حسناتٍ.

ثالثًا: أن يَبْقَى ذِكْرُ اللهِ تعالى في القلْبِ؛ لأنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، فإذا كنْتَ تقرأُ القرآنَ فكأنَّما تُنَاجي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّكَ تقرأُ كلامَه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ولهذا جَعَلَ اللهُ تعالى من الحكمة أن يُنْسَى سريعًا؛ حتَّى تَحْرِصَ عليه.

فإن قال قائلٌ: عندما جاء النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَلَكَانِ في المنامِ، فرأَى أنَّه مَرَّ على قومٍ يُعَذَّبُون في قبورِهِم، منهم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فنام عنه باللَّيلِ ولم يَعْمَلْ به في النَّهارِ (٢)، فهل هذا يَدُلُّ على وجوبِ قيامِ اللَّيلِ لصاحِبِ القرآنِ؟

فالجوابُ: لا يَجِبُ، ولعلَّ هذا الرَّجُلَ له صفةٌ خاصَّةٌ، أو يُقالُ: نام عنه في اللَّيلِ، يعني عن الواجبِ فيه، كصلاةِ العِشاءِ مثلًا وصلاةِ الفجْرِ؛ لأنَّ المنافقين لا يُصَلُّون الفجْرَ ولا العِشاءَ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب استذكار القرآن وتعاهده، رقم (٥٠٣٢)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب الأمر بتعهد القرآن، رقم (٧٩٠)، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، رقم (١٣٨٦)، من حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>