للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا القولُ هو الذي نصَّ عليه الإمامُ أحمدُ (١): أن صالحَ البشرِ أَفْضَلُ من الملائكةِ؛ لأنَّ الملائكةَ خُلِقُوا للعبادةِ، فليس عندهم صوارفُ تَصْرِفُهُم عن عبادةِ اللهِ، والبشرُ خُلِقُوا للعبادةِ لا شكَّ، لكن هناك صوارفَ تَصْرِفُهُم، وهي الشُّبُهاتُ والشَّهَواتُ.

ومن المعلومِ أن تحقيقَ الإيمانِ مع الصوارفِ أشدُّ معاناةً ومجاهدةً من تحقيقِ الإيمانِ مع عدمِ الصوارفِ؛ ولهذا كان الرجلُ المتمسكُ بدينِ اللهِ في آخرِ الزمانِ أَفْضَلَ من خمسين من الصحابةِ؛ كما قال النبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ -: "للعامِلِ فيهنّ أجرُ خمسين منكم" (٢)، وإنما كان كذلك لمشقَّةِ العبادةِ على هذا الذي بَيْنَ أمةٍ فاسدةٍ، واختار شيخُ الإسلامِ (٣) رَحِمَهُ اللهُ التفصيلَ في ذلك، فقال: الملائكةُ أفضلُ باعتبارِ البدايةِ، والبشرُ أفضلُ باعتبارِ كمالِ النهايةِ؛ لأنَّ البشرَ في النهايةِ يدخلون الجنَّةَ، والملائكةُ يدخلون عليهم من كلِّ بابٍ {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: ٢٤]، كأنما خُلِقُوا لتهنئتِهم وتطمينِهِم، فيكونُ في هذا تفصيلٌ.

فالملائكةُ أفضلُ باعتبارِ البدايةِ؛ لأنَّهم خُلِقُوا من نورٍ وبنو آدمَ من طينٍ؛ ولأنهم في عبادةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لكنهم باعتبارِ النهايةِ الْبَشَرُ أفضَلُ.

وبعد هذا، فإن الخوضَ في ذلك ليس من الأمور المهمَّةِ؛ لأننا قد نقولُ: ما عَلِمْنَا من فضائِلِهِم وفضائلِ البشرِ نؤمنُ به، وأمَّا التفضيلُ عندَ اللهِ فهم درجاتٌ


(١) انظر: العقيدة السفارينية (ص: ٩٠).
(٢) أخرجه أبو داود: كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، رقم (٤٣٤١)، والترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المائدة، رقم (٣٠٥٨)، وابن ماجه: كتاب الفتن، باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، رقم (٤٠١٤)، من حديث أبي ثعلبة - رضي الله عنه -.
(٣) الإختيارات العلمية [المطبوع مع الفتاوى الكبرى] (٥/ ٣٧٩).

<<  <   >  >>