للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيار المؤمنين. كما ثبت عنه أنه قال: (خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) (١).

وكل من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا به فله من الصحبة بقدر ذلك» (٢).

فهل يجوز أن يُقال عنه - رضي الله عنه - بعد هذا: إنه طاغية؟!

خامسًا: بعد أن فتشت عن سبب رمي الرافضة لمعاوية - رضي الله عنه - بذلك، وعن سبب لعنه وسبه وتكفيره لم أجد لهم سببًا أكبر إلا قتاله لعلي - رضي الله عنه -. وهذا الأمر لم يجعل الله تعالى إلينا الحكم فيه، بل جعله إليه سبحانه، فهو الذي يفصل بين الخصماء يوم القيامة، وهو الذي يحاسب الناس يومئذ، فيعذِّب من يشاء ويغفر من يشاء. فلأي شيء ننجس ألسنتنا بسب أولئك الذين برأهم الله تعالى وطهّرهم وعدّلهم، و - رضي الله عنهم - ورضوا عنه، سواء منهم من أسلم قبل الفتح أو بعده؟

ثم إنه - سبحانه وتعالى - لم يتعبدنا بالسب واللعن حتى لرءوس الطواغيت الذين عُلم كفرهم وموتهم على غير الإسلام، كفرعون وهامان وقارون وأبي جهل وأبي لهب، فلم يأمرنا سبحانه بسبهم ولا لعنهم، وحتى إبليس الذي لعنه الله في كتابه وأمرنا أن نتخذه عدوًا لم يأمرنا بلعنه؛ وذلك لأن اللعن ليس من العبادات حتى يأمرنا الله به، بل قد نهانا الله أن نسب آلهة المشركين حتى لا يتخذوا ذلك ذريعة لسب الله - جل وعلا -، فقال: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:١٠٨].

ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن نسب الأموات أيًا كانوا، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لَا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا) (٣).

سادسًا: ما حصل بين معاوية وعلي - رضي الله عنهما - من الاقتتال هما فيه متأولان مجتهدان، فالمصيب منهما -وهو علي - رضي الله عنه - له أجران، والمخطئ -وهو معاوية - رضي الله عنه - له أجر، فعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ) (٤).


(١) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ). صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد (٣/ ١٧١)، رقم (٢٦٥٢)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (٤/ ١٩٦٣)، رقم (٢٥٣٣).
(٢) مجموع الفتاوى لابن تيمية (٣٥/ ٥٨ - ٥٩).
(٣) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما يُنهى من سب الأموات (٢/ ١٠٤)، رقم (١٣٩٣).
(٤) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (٩/ ١٠٨)، رقم (٧٣٥٢)، وصحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (٣/ ١٣٤٢)، رقم (١٧١٦).

<<  <   >  >>