للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن حجر: «والأول أظهر؛ لقول عمر: (كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا)، أي: كافينا، مع أنه يشمل الوجه الثاني؛ لأنه بعض أفراده» (١).

وبعد هذا التطواف بين أقوال العلماء في معنى هذا الحديث أحب أن أُقرّ عيون الغيورين على السُّنَّة بأن الطعن في أحاديث الصحيحين أو بعضها بهذه الطريقة السخيفة التي سلكها صاحب الرسالة لم يُعهد عن أحد من العلماء الرَّبانيين أبدًا، وإنما عُرف ذلك عن بعض الطوائف كالزنادقة والرافضة قديمًا (٢) والمستشرقين والمستغربين حديثًا (٣). وهذا مما يخفف الألم ويهوّن المصيبة؛ لأن دوافع هؤلاء معلومة لكل أحد، والناس لا يغترون بكلامهم ولا يلقون إليه بالًا؛ لِمَا ظهر لهم من سوء نياتهم وقبح أعمالهم.

فالزنادقة ردُّوا السُّنَّة مطلقًا، ولم يكتفوا بذلك حتى أدخلوا عليها أحاديث ليست منها. قال حماد بن زيد البصري: «وضعت الزَّنَادِقَة على رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَة عشر ألف حَدِيث» (٤).

وأمَّا الرافضة فقد تقدم أنهم لا يقبلون أي طريق للنقل إلا ما كان عن بعض أهل البيت، وعرَّفوا الحديث الصحيح بأنه: «ما اتصل سنده إلى المعصوم -أي: من الأئمة- بنقل العدل الإمامي عن مثله في جميع الطبقات حيث تكون متعددة» (٥).


(١) فتح الباري لابن حجر (١/ ٢٠٩).
(٢) قال الإمام السيوطي: «الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن». مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي. وقد تقدم.
(٣) دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه للدكتور/ محمد مصطفى الأعظمي (١/ ٢٦ - ٢٧)، و (٢/ ٤٣٩)، وما بعدها. فمن المستشرقين: غولدتسيهر، وفنسك، والبرفسير شاخت، ومن المستغربين: أبو ريه، وأحمد أمين، وتوفيق صدقي، وإسماعيل أدهم.
(٤) الموضوعات لابن الجوزي (١/ ٣٨).
وجاء عنه بلفظ: «وَضَعَتِ الزَّنَادِقَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اثْنَي عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ». الضعفاء الكبير للعقيلي (١/ ١٥)، والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص:٤٣١). وقال في "تحرير علوم الحديث" -عبد الله بن يوسف الجديع-: «وإسناده صحيح». تحرير علوم الحديث عبد الله بن يوسف الجديع (٢/ ١٠٤٣)، حاشية رقم (١).
قال ابن الأمير الصنعاني: «قلت: ومعرفة قدر عددها دليل على تتبع الحفاظ من الأئمة لها ومعرفتهم إياها». توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار لابن الأمير الصنعاني (٢/ ٥٥).
(٥) دراسات في علم الدراية لعلي أكبر غفاري " [كتاب إلكتروني - صفحاته مرقمة آليًا، وليست موافقة في ترقيمها للنسخ المطبوعة] " (ص:٢٩)، ومعجم مصطلحات الرجال والدراية، إصدار: مركز البحوث التابع لمؤسسة دار الحديث، تحت إشراف وتوجيه: محمد كاظم رحمان ستايش " [كتاب إلكتروني - صفحاته مرقمة آليًا، وليست موافقة في ترقيمها للنسخ المطبوعة] " (٥/ ٢٧). وانظر: مع الاثني عشرية في الأصول والفروع للدكتور/ علي السالوس (ص:٧٠٦).

<<  <   >  >>