للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - وتارة يصفونهم بـ"الحشوية"، أي: أنهم يقولون بوجود الحشو في كلام المعصوم.

وكل هذا من الافتراءات والأكاذيب عليهم، فإنهم بحمد لله ليسوا بمجسِّمة ولا حشوية ولا مُعطّلة، بل هم وسط في باب الأسماء والصفات بين هذه الفرق كلها، حيث يثبتون لله ما أثبته لنفسه في كتابه وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنته الصحيحة من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، على حدِّ قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى:١١].

ومن هذه الصفات التي أثبتوها له - جل وعلا - على ما يليق بجلاله وعظمته من غير تشبيه بالمخلوق: صفة الصوت. ومن أقوالهم في ذلك:

١ - قال عبد الله ابن الإمام أحمد: «سألت أبي - رحمه الله - عن قوم يقولون: لما كلم الله - عز وجل - موسى لم يتكلم بصوت، فقال أبي: «بَلَى إِنَّ رَبَّكَ - عز وجل - تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ. هَذِهِ الْأَحَادِيثُ نَرْوِيهَا كَمَا جَاءَتْ». وقال أبي - رحمه الله -: «حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: (إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ - عز وجل - سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ) (١)»» (٢).

٢ - قال الإمام ابن تيمية: «والله تكلم بالقرآن بحروفه ومعانيه بصوت نفسه، ونادى موسى بصوت نفسه، كما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع السلف. وصوت العبد ليس هو صوت الرب ولا مثل صوته؛ فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. وقد نصَّ أئمة الإسلام -أحمد ومن قبله من الأئمة- على ما نطق به الكتاب والسنة من أن الله ينادي بصوت، وأن القرآن كلامه، تكلَّم به بحرف وصوت، ليس منه شيء كلامًا لغيره، لا جبريل ولا غيره» (٣).


(١) علق البخاري عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: (إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ شَيْئًا، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الحَقُّ وَنَادَوْا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} [سبأ:٢٣]). صحيح البخاري تعليقًا، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)} [سبأ:٢٣]، ولم يقل: "ماذا خلق ربكم" (٩/ ١٤١)، بدون رقم.
وجاء مسندًا عنه في سنن أبي داود، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا، فَيُصْعَقُونَ، فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ، حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. قَالَ: فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ! مَاذَا قَالَ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: الْحَقَّ، فَيَقُولُونَ: الْحَقَّ الْحَقَّ). سنن أبي داود، كتاب السنة، باب في القرآن (٤/ ٢٣٥)، رقم (٤٧٣٨). وقال الألباني: «صحيح». صحيح سنن أبي داود للألباني (٣/ ١٦٠)، رقم (٤٧٣٨).
وجاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ المَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ -قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ-، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ). صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (١٨)} [الحجر:١٨] (٦/ ٨٠)، رقم (٤٧٠١).
(٢) السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (١/ ٢٨٠ - ٢٨١).
(٣) مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٢/ ٥٨٤).

<<  <   >  >>