للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً)، و (أو) هنا تقتضي التخيير، واختار مالك الإطعام؛ لأنَّهُ يشبه البدل من الصيام، فَقَالَ مالك: ((الإطعام أحب إليَّ في ذَلِكَ من العتق وغيره)) (١)، وَعَنْهُ في رِوَايَة أخرى - جواباً لسائله -: ((الطعام، لا نعرف غَيْر الطعام لا يأخذ مالك بالعتق ولا بالصيام)) (٢).

وذهب الحسن البصري (٣) إِلَى التخيير بَيْنَ العتق، ونحر بدنة، واستدل بحديث أرسله هُوَ ((أنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في الَّذِي وطئ امرأته في رَمَضَان: رقبة ثُمَّ بدنة)) (٤).

وروي عن الشعبي (٥)، والزهري (٦) أنّ مَن أفطر في رَمَضَان عامداً فإنّ عَلَيْهِ عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكيناً، أو صيام شهرين متتابعين مَعَ قضاء اليوم. قَالَ ابن عَبْد البر: ((وفي قَوْل الشعبي والزهري ما يقضي لرواية مالك بالتخيير في هَذَا الْحَدِيْث)) (٧).

المبحث الثاني

مخالفة الْحَدِيْث للقرآن الكريم

من المتفق عَلَيْهِ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ أنّ القرآن الكريم من حَيْثُ الثبوت قطعي لا مراء فِيْهِ، في حين أنّ خبر الآحاد لا يعدو كونه ظني الثبوت، إذ إنّ احتمال وجود الخطأ في رِوَايَة الحفاظ الثقات أمر وارد، وَقَدْ قَالَ الإمام أحمد: ((ومن ذا الَّذِي يعرى من التصحيف والخطأ)) (٨).

ومع توافر هَذِهِ الشبهة في خبر الآحاد، فإنه لا مجال للقول بقطعية ثبوته؛ لأنّ


(١) انظر: الاستذكار ٣/ ١٩٥.
(٢) انظر: المدونة الكبرى ١/ ٢١٨، والاستذكار ٣/ ١٩٥.
(٣) انظر: المحلى ٦/ ١٨٩ - ١٩٠، والمجموع ٣/ ٣٤٥.
(٤) أخرجه عبد الرزاق (٧٤٦٣) وللحديث طريق آخر مرسل أيضاً، ذكره ابن حزم في المحلى ٦/ ١٩٠، وَقَالَ النووي: ((حَدِيْث الحسن ضعيف جداً)). المجموع ٦/ ٣٤٥.
(٥) انظر: الاستذكار ٣/ ١٩٤، وهذه الرِّوَايَة معارضة لما سبق ذكره عن الشعبي أن لا كفارة في الوطء وغيره.
(٦) انظر: الاستذكار ٣/ ١٩٥.
(٧) كَذَلِكَ. وذكر النووي روايات أخرى عن بَعْض الصَّحَابَة والتابعين والفقهاء في ما عَلَى من أفطر في رَمَضَان عامداً بغير جماع. المجموع ٦/ ٣٢٩ - ٣٣٠، وانظر: المحلى ٦/ ١٨٩ - ١٩١.
(٨) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: ٣٨٣، وطبعة نور الدين: ٢٥٢.

<<  <   >  >>