للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من رَوَى عَنْهُ مخالفتها من حَيْثُ الإسناد ومن حَيْثُ النظر، أما النظر فظاهر، وأما الإسناد فالموافقة وردت من رِوَايَة حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عَنْهُ، وهذا من أصح الأسانيد، وأما المخالفة فمن رِوَايَة عَبْد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، وَهُوَ دُوْنَ الأول في القوة بكثير)) (١).

المبحث الخامس

مخالفة الْحَدِيْث للقياس

ذهب جمهور عُلَمَاء الأمة إِلَى القول بحجية القياس، وأنه أحد أدلة الأحكام الشرعية ومصادرها في الفقه الإسلامي (٢).

والقياس هُوَ: حمل معلوم عَلَى معلوم في إثبات حكم لهما، أو نفيه عنهما، بأمرٍ جامع بَيْنَهُمَا من إثبات حكم أو صفة أو نفيهما عنهما (٣).

لذا كَانَ مبتنى القياس النظر والإستنباط من تصرفات الشارع وربط الأحكام بعللها، فإذا عارض خبر الواحد القياس، فأي مِنْهُمَا يقدم موجبه عَلَى الآخر؟

اشتهر عن الحنفية اشتراط عدم مخالفة خبر الواحد للقياس حَتَّى يصح العمل بِهِ كدليل مستقل، والحق أن هَذَا الموطن لَيْسَ محل اتفاق بَيْنَهُمْ، بَلْ هناك تفصيل في مذهبهم عَلَى النحو الآتي:

إذا تعارض خبر الآحاد مَعَ القياس فأكثر المتقدمين من الحنفية عَلَى تقديم الخبر وافق القياس أو خالفه؛ لأن القياس اجتهاد ولا اجتهاد في مورد النص.

وأما الَّذِيْنَ قالوا بتقديم القياس عَلَى خبر الواحد فهم بَعْض المتقدمين مِنْهُمْ، وتابعهم عَلَيْهِ كَثِيْر من المتأخرين، ولكنهم لَمْ يقولوا بالرد بإطلاق، بل قسموا الرُّوَاة على قسمين:

الأول: الرُّوَاة المعروفون بالضبط والفقه والاجتهاد، كالخلفاء الأربعة والعبادلة ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت - رضي الله عَنْهُمْ - فهؤلاء تقبل أخبارهم باتفاق.

الثاني: الرُّوَاة الَّذِيْنَ اشتهروا بالرواية، وَلَمْ يعرفوا بالفقه والاجتهاد والفتيا، فإذا جاءوا بخبر الآحاد، فإن وافق القياس قبل، وإن خالف القياس ووافق قياساً آخر قبل


(١) فتح الباري ١/ ٢٧٧.
(٢) نهاية السول ٣/ ١٠، وإرشاد الفحول: ٦٥٩.
(٣) البرهان ٢/ ٤٨٧، والمستصفى ٢/ ٢٢٨، وإحكام الأحكام ٣/ ١٢٦.

<<  <   >  >>