للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

((ما فِيْهِ شبهة لا يعارض ما لَيْسَ فِيْهِ شبهة)) (١). ومن ثَمَّ فإنه لا وجه للقول باستوائهما من ناحية الاستدلال، فضلاً عن تعارضهما؛ لذا نجد فقهاء الحنفية (٢) وبعض فقهاء المالكية (٣) عند معارضة خبر الآحاد للقرآن الكريم يوجبون ردّه، أو تأويله عَلَى وجه يجمع بَيْنَهُمَا.

ويُعلّلون هَذَا الاشتراط: بأنّ ((خبر الواحد يحتمل الصدق والكذب، والسهو والغلط، والكتاب دليل قاطع، فَلاَ يقبل المحتمل بمعارضة القاطع، بَلْ يخرج عَلَى موافقته بنوع تأويل)) (٤).

وبالمقابل فإننا نجد الجُمْهُوْر يلغون هَذَا الاشتراط، ويجوزون تخصيص عموم نصوص الكِتَاب بخبر الواحد عِنْدَ التعارض، كَمَا يجوز تقييد ما أطلق من نصوصه بِهَا (٥)؛ وذلك أنّ الحنفية ومن وافقهم يرون الزيادة عَلَى النص نسخاً (٦)، وكيف يصح رفع المقطوع بالمظنون؟

والجمهور يقولون: إنّ الزيادة عَلَى النص ليست من باب النسخ دائماً (٧)، وإنما قَدْ تَكُوْن بياناً، أو تخصيصاً، أو تقييداً. وفي مسألة البيان لا يشترط تكافؤ الأدلة من حَيْثُ عدد ناقليها.

ونستطيع أن نتلمس أثر هَذَا الخلاف في اختلاف الفقهاء من خلال الأمثلة الآتية:

[النموذج الأول]

حَدِيْث فاطمة بنت قيس قالت: ((طلقني زوجي ثلاثاً لَمْ يجعل لي سكنى ولا نفقة، فأتيت رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت لَهُ ذَلِكَ، فقلت لَهُ: إنَّهُ لَمْ يجعل لي سكنى ولا نفقة، قَالَ: صدق)) (٨).


(١) أسباب اختلاف الفقهاء: ٣٠٠ للزلمي.
(٢) أصول السرخسي١/ ٣٤٤، والفصول في الأصول ٣/ ١١٤، وميزان الأصول: ٤٣٣، والتلويح٢/ ١٥ - ١٦.
(٣) إحكام الفصول للباجي ١/ ٤١٧ (٤١٩).
(٤) ميزان الأصول: ٤٣٤.
(٥) أسباب اختلاف الفقهاء: ٣٠١.
(٦) أصول السرخسي ٢/ ٨١ - ٨٢، والفصول في الأصول ٢/ ٣١٣، وميزان الأصول: ٧٢٤.
(٧) البحر المحيط ٤/ ١٤٣.
(٨) ألفاظ الْحَدِيْث مطولة ومختصره، وأثبت رِوَايَة أحمد وأبي داود الطيالسي في مسنده (١٦٤٥).

<<  <   >  >>