للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني:

إن الطمأنينة في الركوع والسجود واجبة وليست بفرض وهو قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن (١) وهو وجه للمالكية (٢). ودليلهم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (٣)، وهو أمر لمطلق الركوع والسجود والركوع في اللغة هو الانحناء والميل والسجود هو التطأطؤ والخفض فإذا أتى بأصل الانحناء والوضع فقد امتثل لإتيانه بما ينطلق عَلَيْهِ الاسم فأما الطمأنينة فدوام على أصل الفعل والأمر بالفعل لا يقتضي الدوام، وأما حديث الأعرابي - المسيء صلاته - فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخاً للكتاب، ولكن يصلح مكملاً فيحمل أمره بالاعتدال على الوجوب ونفيه الصلاة على نفي الكمال وتمكن النقصان الفاحش الذي يوجب عدمها من وجه، وأمره بالإعادة على الوجوب جبراً للنقصان أو على الزجر من المعاودة إلى مثله. كالأمر بكسر دنان الخمر عند نزول تحريمها تكميلاً للغرض والحديث حجة عليهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَكن الأعرابي من المضي في الصلاة في جميع المرات ولم يأمره بالقطع فلو لم تكن تلك الصلاة جائزة لكان الاشتغال بها عبثاً إذ الصلاة لا تمضي في فاسدها فينبغي أن لا يمكنه منه (٤).

ورد صاحب "المغني" على دليل هذا الفريق بقوله: ((الآية حجة لنا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسّر الركوع بفعله وقوله فالمراد بالركوع ما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (٥).

أما تمكين النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي من إكمال الصلاة فهذا لا يقتضي صحتها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((إنك لم تصل)).

أما كونه خبر آحاد فلا يصلح ناسخاً، فهذا بعيد؛ لأنه ليس نسخاً، بل غاية ما فيه أنه مبين وشارح للآية الكريمة فلا تعارض بينه وبين الآية.

النوع السادس: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف

الاختلاف في الأسانيد ملحظ مهم للرجل الذي يحب الكشف عن العلل الكامنة في الأسانيد؛ لأن الاختلافات تومئ إِلَى عدم ضبط الروايات وتخرج الْحَدِيْث غالباً من حيّز القبول إِلَى درجات الرد. والاختلافات الَّتِي تقدح في صحة الإسناد هِيَ الَّتِي يَكُوْن


(١) الهداية ١/ ٤٩، وبدائع الصنائع ١/ ١٦٢.
(٢) شرح منح الجليل ١/ ١٥١ وهو المشهور من المذهب.
(٣) الحج: ٧٧.
(٤) بدائع الصنائع ١/ ١٦٢.
(٥) المغني ١/ ٥٤١.

<<  <   >  >>