للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذَلِكَ مشكوك فِيهِ، فَلاَ يترك اليقين للشك.

والاكتفاء بالنضح في التطهير من بول الرضيع خصه أحمد وجمهور الشافعية بالصبي الَّذِي لَمْ يأكل الطعام، أما بول الصبية فَلاَ يجزئ فِيهِ إلا الغسل (١).

أما الشَّافِعيّ نَفْسه فَقَدْ نَصَّ عَلَى جواز الرش عَلَى بول الصبي مَا لَمْ يأكل الطعام، واستدل عَلَى ذَلِكَ بالحديث، ثُمَّ قَالَ: ((وَلاَ يبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السُّنَّة الثابتة، وَلَوْ غسل بول الجارية كَانَ أحب إليَّ احتياطاً، وإن رش عَلَيْهِ مَا لَمْ تأكل الطعام أجزأ، إن شاء الله تَعَالَى)) (٢).

وَقَدْ ذكر النَّوَوِيّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَمْ يذكر عن الشَّافِعيّ غَيْر هَذَا (٣)، وَقَالَ البَيْهَقِيّ: ((والأحاديث المسندة في الفرق بَيْنَ بول الغلام والجارية في هَذَا الباب إذَا ضُمَّ بعضها إلى بَعْض قويت، وكأنها لَمْ تثبت عِنْدَ الشَّافِعيّ - رَحِمَهُ اللهُ - حِيْنَ قَالَ: ((وَلاَ يتبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السُّنَّة الثابتة)) (٤).

وقول الشَّافِعيّ هَذَا مرويٌّ عن النخعي، وَهُوَ رِوَايَة عن الأوزاعي، ووجه لبعض الشافعية، ووصفه النَّوَوِيّ: بأنه ضَعِيْف (٥).

وهنا يأتي دور حَدِيث عَلِيّ - رضي الله عنه - ومثله حَدِيث أبي السمح - رضي الله عنه - خادم النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فهي أحاديث ثابتة، وَقَدْ فرقت بَيْنَ بول الصبي وبين بول الصبية.

وَقَدْ ثبت هَذَا عِنْدَ أحمد؛ لِذلِكَ أخذ بِهِ وفرق بَيْنَهُمَا في الحكم، أما الشَّافِعيّ فَقَدْ صرح بأنه لَمْ يثبت عنده من السُّنَّة مَا يفرق بَيْنَهُمَا؛ لِذلِكَ رأى أن النضح يكفي فِيْهِمَا - وإن كَانَ الأحب إليه غسل بول الصبي احتياطاً -؛ وَلَوْ ثبت عِنْدَ الشَّافِعيّ هذِهِ الأحاديث لأخذ بِهَا، فهذا هُوَ شأنه وشأن الفُقَهَاء كافة لا يتخطون السُّنَّة الثابتة عندهم إلى غيرها، مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عندهم معارض؛ ولذلك أطبق أصحاب الشَّافِعيّ عَلَى الفرق في الحكم بَيْنَ بول الصبي والصبية لما ثبتت عندهم هذِهِ الأحاديث (٦).

نموذج آخر: وهو مثال لما تترجح فِيهِ الرِّوَايَة الموقوفة

سبق أن ذكرت أن الحكم في اختلاف الرفع والوقف لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية،


(١) المغني ١/ ٧٣٤، وروضة الطالبين ١/ ٣١، وحاشية الجمل ١/ ١٨٨ - ١٨٩.
(٢) المجموع ٢/ ٥٩٠، وحاشية الجمل ١/ ١٨٨ - ١٨٩.
(٣) المصدر السابق.
(٤) السُّنَن الكبرى ٢/ ٤١٦.
(٥) المجموع ٢/ ٥٩٠.
(٦) أثر علل الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء: ٢١٦ - ٢٢١.

<<  <   >  >>