للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن لَمْ يهتدِ إِلَى وجه الجمع، فإن علم تاريخ المتقدم من المتأخر قِيْلَ بالنسخ، فإن عدم أيضاً صير إِلَى الترجيح بوجه من وجوهه المعتبرة (١).

ثُمَّ إن هَذَا التعارض إنما يَكُوْن متجهاً فِيْمَا إذا تساوى الدليلان من حَيْثُ القوة، أما إذا كَانَ أحدهما صحيحاً والآخر ضعيفاً، فَلاَ اعتبار بمخالفة الضعيف، إذ الضعيف غَيْر معتبر في نفسه، فكيف تستقيم معارضته لما هُوَ أقوى مِنْهُ؟

وَقَد اختلفت مناهج الفقهاء والمدارس الفقهية في سلوك مسالك دفع التعارض بَيْنَ الأدلة الشرعية المتكافئة المتعارضة من حَيْثُ الظاهر، فمنهم من يتبين لَهُ وجه جمع بينها، ومنهم من قَد يرى في الجمع تكلفاً فيلجأ إِلَى القول بالنسخ ... وهكذا، مِمَّا أدّى إِلَى ظهور خلاف بَيْنَ الفقهاء في استنباط الأحكام الَّتِي دلّت عَلَيْهَا تِلْكَ الأدلة، ويتضح ذَلِكَ من الأمثلة الآتية:

النموذج الأول:

مَن يثبت لَهُ حقّ الشفعة:

اختلف الفقهاء فيمن يثبت لَهُ حق الشفعة عَلَى مذهبين:

المذهب الأول: تثبت الشفعة بالخلطة، أي: أن الَّذِي يستحق الشفعة هُوَ الشريك الَّذِي لا تزال شركته قائمة، وَهُوَ المسمى: الشريك في عين المبيع فَقَطْ.

وبهذا قَالَ جمهور الْفقهاء، روي هَذَا عن عمر وعثمان (٢) وعلي وابن عَبَّاسٍ وجابر وعمر بن عَبْد العزيز وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن أبي عَبْد الرَّحْمَان وأبي الزناد والمغيرة بن عَبْد الرَّحْمَان (٣) والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر (٤).


(١) نزهة النظر: ١٠٣ فما بعدها.
(٢) عثمان بن عفان بن أبي العاص الأموي، أمير المؤمنين، أحد الخلفاء الأربعة والعشرة المبشرة، استشهد سنة (٣٥ هـ‍).
معجم الصَّحَابَة ١١/ ٣٩٤٥، وتهذيب الكمال ٥/ ١٢٦ (٤٤٣٦)، والتقريب (٤٥٠٣).
(٣) المغيرة بن عَبْد الرَّحْمَان بن عَبْد الله القرشي، أبو هاشم: ثقة لَهُ غرائب، توفي في حدود سنة (١٨٠هـ‍).
انظر: تهذيب الكمال ٧/ ١٩٩ (٦٧٣٢)، وسير أعلام النبلاء ٨/ ١٦٦ و ١٦٧، والتقريب (٦٨٤٥).
(٤) الجامع الكبير ٣/ ٤٧ عقب (١٣٧٠)، والإشراف عَلَى مذاهب أهل العِلْم ٢/ ٥، والتهذيب ٤/ ٣٣٧، والمغني ٥/ ٤٦١.

<<  <   >  >>