للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الرابع. فإن كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بلا خلاف، وبه جزم أَبُو بكر الصيرفي (١) وغيره، وَهُوَ واضح)) (٢).

الثالث: إن لَمْ يَكُنْ رَوَاهُ عَلَى التمام مرة أخرى هُوَ أو غيره لَمْ يَجُزْ، وإن كَانَ رَوَاهُ عَلَى التمام مرة أخرى هُوَ أو غيره جاز (٣).

الرابع: يجوز اختصار الحديث والاقتصار عَلَى بعضه إذا كَانَ فاعل ذَلِكَ عالماً عارفاً، وَكَانَ ما تركه متميزاً عمّا نقله غَيْر متعلق بِهِ، بِحَيْثُ لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة فِيْمَا نقله بترك ما تركه (٤).

وهذا المذهب هُوَ الَّذِي صححه ابن الصَّلاَح وغيره، وعلل ذَلِكَ بقوله: ((لأن الَّذِي نقله والذي تركه - والحالة هَذِهِ - بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر)) (٥).

وَقَدْ ترتب عَلَى اختصار بَعْض الرُّوَاة للأحاديث، خلاف بَيْنَ الفقهاء في بَعْض جزئيات الفقه الإسلامي، ونستطيع أن نمثل ذَلِكَ بِمَا يأتي:

رَوَى شعبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لا وضوء إلا من صوت أو ريح)) (٦).

هكذا رَوَى شعبة الْحَدِيْث مختصراً، نبّه عَلَى ذَلِكَ حفاظ الْحَدِيْث ونقاده، فأبو حاتم الرازي يَقُوْل: ((هَذَا وهم، اختصر شعبة مَتْن هَذَا الْحَدِيْث، فَقَالَ: ((لا وضوء إلا من صوت أو ريح))، ورواه أصحاب سهيل عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِذَا كَانَ أحدكم في الصَّلاَة فوجد ريحاً من نفسه فَلاَ يخرجن حَتَّى


(١) هُوَ الفقيه الأصولي مُحَمَّد بن عَبْد الله أبو بكر المعروف بالصيرفي الشَّافِعِيّ البغدادي، صنف في الأصول فأجاد، توفي سنة (٣٣٠ هـ‍).
وفيات الأعيان ٤/ ١٩٩، وطبقات الشافعية ٢/ ١١٦ - ١١٧، ومرآة الجنان ٢/ ٢٢٤.
(٢) شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٥١٠ وط العلمية ٢/ ١٧١. وانظر: البحر المحيط ٤/ ٣٦٠، والمقنع ١/ ٣٧٦.
(٣) الكفاية (١٩٠هـ، ٢٩٠ت)، والبحر المحيط ٤/ ٣٦١، وشرح التبصرة والتذكرة ١/ ٥١٠ وط العلمية ٢/ ١٧١.
(٤) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: ٣٢٤، وط نور الدين: ١٩٢ - ١٩٣.
(٥) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: ٣٢٤، وط نور الدين: ١٩٢، ونكت الزركشي ٣/ ٦١٢، ومحاسن الإصطلاح: ٣٣٤، والتقريب والتيسير: ١٨٣ وط الخن: ١٣٥، وفتح الباقي ٢/ ٧٦، وط العلمية ٢/ ١٧١.
(٦) أخرجه الطيالسي (٢٤٢٢)، وابن الجعد (١٦٤٣)، وأحمد ٢/ ٤١٠ و ٤٣٥ و ٤٧١، وابن ماجه (٥١٥)، والترمذي (٧٤)، وابن الجارود (٢)، وابن خزيمة (٢٧)، والبيهقي ١/ ١١٧ و ٢٢٠.

<<  <   >  >>