مِمَّا لا شك فِيْهِ أن الاختلاف غَيْر القادح لا عبرة بِهِ ولا أثر لَهُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ، ونحن حينما عنينا بدراسة هَذِهِ الاختلافات في الأسانيد والمتون إنما قصدنا القادح مِنْهَا. واختلاف الرُّوَاة في أمر لا تناقض فِيْهِ لا يضر لأنه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
إِذْ قَدْ يَكُوْن الاختلاف بَيْنَ طريقين أحدهما قوي والآخر ضعيف فمثل هَذَا الاختلاف لا يقدح؛ لأن الرِّوَايَة الصحيحة لا تقدح بِهَا الرِّوَايَة الضعيفة ولا تؤثر. وكذلك قَدْ يَكُوْن هناك اختلاف في الظاهر لَكِنْ يمكن الجمع بينهما؛ بحيث يمكن أن يَكُوْن المتكلم معبراً باللفظين الواردين عن معنى واحد، فلا إشكال أَيْضاً. مثل: أن يَكُوْن في أحد الوجهين قَدْ قَالَ الرَّاوِي: ((عن رجل))، وفي الوجه الآخر سمى هَذَا الرجل.
ويمكن أن يَكُوْن ذَلِكَ المسمى هُوَ ذَلِكَ المبهم، فلا تعارض. أما إذا سمى الرَّاوِي باسم معين في رِوَايَة، ويسميه باسم آخر في رِوَايَة أخرى فهذا محل توقف ونظر، إِذْ يتعارض فِيْهِ أمران:
أحدهما: أنه يجوز أن يَكُوْن الْحَدِيْث عن الرجلين معاً.
والثاني: أن يغلب عَلَى الظن أن الرَّاوِي واحد اختلف فِيْهِ. فهاهنا لا يخلو أن يَكُوْن الرجلان معاً ثقتين أو لا.
فإن كانا ثقتين فعلى رأي جَمَاعَة لا يضر هَذَا الاختلاف؛ لأنه إن كَانَ الْحَدِيْث عن هَذَا المعين فهو عدل، وإن كَانَ عن الآخر فهو عدل، فكيف انقلب الْحَدِيْث فإلى عدل فلا يضر هَذَا الاختلاف. بينما يرى جهابذة الْمُحَدِّثِيْنَ أن هَذَا قادح في الرِّوَايَة إِذْ إنه يدل عَلَى عدم ضبط راويه لَهُ. والضبط شرط لصحة الْحَدِيْث. وهذا إنما يتجه إذا كَانَ لا دليل لنا عَلَى أنَّّ الْحَدِيْث عَنْهُمَا جميعاً. أما إن دلَّ دليل فلا اختلاف مثل أن يروي إنسان حديثاً عن رجل تارة، ويروي ذَلِكَ الْحَدِيْث عن آخر تارة ثُمَّ يرويه عَنْهُمَا معاً في مرة ثالثة.
وأما إن كَانَ أحد الراويين ضعيفاً فَقَدْ تردد الحال بَيْنَ أن يَكُوْن عن القوي أَوْ عن الضعيف أَوْ عَنْهُمَا. وَهُوَ عَلَى أحد هَذِهِ التقديرات غَيْر حجة، ثُمَّ إن هَذَا يشترط فِيْهِ أن لا يَكُوْن الطريقان مختلفين بَلْ يكونان عن رجل واحد. ومع ذَلِكَ فيجوز أن يَكُوْن رَوَاهُ