للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لشدة الفردية وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر)) (١).

ويمكننا أن نقسم التفرد - حسب موقعه في السند - إلى قسمين:

[الأول: تفرد في الطبقات المتقدمة]

كطبقة الصَّحَابَة، وطبقة كبار التَّابِعِيْنَ، وهذا التفرد مقبول إذا كَانَ راويه ثقة

-وهذا الاحتراز فِيْمَا يخص طبقة التَّابِعِيْنَ -، فهو أمر وارد جداً لأسباب متعددة يمكن حصرها في عدم توفر فرص متعددة تمكّن الْمُحَدِّثِيْنَ من التلاقي وتبادل المرويات، وذلك لصعوبة التنقل في البلدان، لا سيما في هذين العصرين.

فوقوعه فيهما لا يولد عِنْدَ الناقد استفهاماً عن كيفيته، ولاسيما أن تداخل الأحاديث فِيْمَا بينها شيء لا يكاد يذكر، نظراً لقلة الأسانيد زياد على قصرها. هَذَا فِيْمَا إذا لَمْ يخالف الثابت المشهور، أو من هُوَ أولى مِنْهُ حفظاً أَوْ عدداً.

وإن كَانَ المتفرد ضعيفاً أَوْ مجهولاً -فِيْمَا يخص التَّابِعِيْنَ- فحكمه بيّن وَهُوَ الرد (٢).

[الثاني: التفرد في الطبقات المتأخرة]

فبعد أن نشط الناس لطلب العلم وأداموا الرحلة فِيْهِ والتبحر في فنونه، ظهرت مناهج متعددة في الطلب والموقف مِنْهُ، فكانت الغرس الأول للمدارس الحديثية الَّتِيْ نشأت فِيْمَا بَعْد، فكان لها جهدها العظيم في لَمِّ شتات المرويات وجمعها، والحرص عَلَى تلقيها من مصادرها الأصيلة، فوفرت لَهُم الرحلات المتعددة فرصة لقاء المشايخ والرواة وتبادل المرويات، فإذا انفرد من هَذِهِ الطبقات أحد بشيء ما فإن ذَلِكَ أمر يوقع الريبة عِنْدَ الناقد، لا سيما إذا تفرد عمن يجمع حديثه أَوْ يكثر أصحابه، كالزهري ومالك وشعبة وسفيان وغيرهم (٣).

ثم إنّ العلماء قسموا الأفراد من حَيْثُ التقييد وعدمه إلى قسمين:

الأول: الفرد المطلق: وَهُوَ ما ينفرد بِهِ الرَّاوِي عن أحد الرُّوَاة (٤).


(١) التلخيص الحبير ٢/ ٧، والطبعة العلمية ٢/ ١٨ - ١٩. وانظر في صلاة التسبيح: جامع الترمذي ١/ ٤٩١ - ٤٩٤ (٤٨١) و (٤٨٢).
(٢) إلا أن توجد قرائن أخرى ترفع الْحَدِيْث من حيز الرد إلى حيز القبول.
(٣) انظر: الموقظة: ٧٧، والموازنة بَيْنَ منهج المتقدمين والمتأخرين: ٢٤.
(٤) انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: ٨٠ وطبعتنا: ١٨٤، وشرح التبصرة والتذكرة ١/ ٢١٧ وطبعتنا ١/ ٢٨٦، ونُزهة النظر: ٧٨.

<<  <   >  >>