للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيضاً، وإن خالف جَمِيْع الأقيسة، فَقَالَ عيسى بن أبان (١) والقاضي أبو زيد الدبوسي (٢) وتابعهما أكثر المتأخرين من الحنفية أنَّهُ لا يقبل (٣).

وَهُوَ قولٌ للمالكية (٤).

وفصّل أبو الْحُسَيْن البصري (٥) من المعتزلة تفصيلاً آخر، فرأى أن القياس يقدّم عَلَى خبر الواحد في حالة ثبوت علة القياس بدليل قاطع، وعلل ذَلِكَ بأن النص عَلَى العلة كالنص عَلَى حكمها، فحينئذ القياس قطعي، وخبر الآحاد ظني، والقطعي مقدم عَلَى الظني (٦).

واستدلوا بأن عرض خبر الواحد عَلَى القياس كَانَ من ضمن المناهج الَّتِي اتبعها الصَّحَابَة في نقد المرويات وتمحيص الأخبار، فهذا ابن عَبَّاسٍ يرد عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ عندما حدّث بحديث: ((توضؤوا مِمَّا مست النار) قائلاً: أنتوضأ من الدُّهن، أنتوضأ من الحميم؟ فَقَالَ أبو هُرَيْرَةَ: ((يا ابن أخي إذا سَمِعْت حديثاً عن رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ تضرب لَهُ الأمثال)). (٧)

فابن عَبَّاسٍ قَدْ توقف في قبول خبر أبي هُرَيْرَةَ وعارضه بالقياس.

وأجاب الجُمْهُوْر: بأن دعوى أن مِثْل هَؤُلاَءِ من الصَّحَابَة - كأبي هُرَيْرَةَ وأنس - ليسوا من أهل الفقه، أمر فِيْهِ نظر طويل، ولوا أمعنا النظر في مروياته وآرائه لعلمنا رجاحة عقليته الفقهية، وإجابته لابن عَبَّاسٍ تدل عَلَى هَذَا دلالة لايشوبها لبس أو


(١) عيسى بن أبان بن صدقة، أبو موسى، فقيه العراق وقاضي البصرة، مات سنة (٢٢١ هـ‍).
تاريخ بغداد ١١/ ١٥٧ و ١٥٩، وسير أعلام النبلاء ١٠/ ٤٤٠، وميزان الاعتدال ٣/ ٣١٠.
(٢) العلامة، شيخ الحنفية، أَبُو زيد عَبْد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي، لَهُ مصنفات مِنْهَا: " تقويم الأدلة " و " الأسرار "، مات سنة (٤٣٠ هـ‍).
اللباب ١/ ٤٩٠، وسير أعلام النبلاء ١٧/ ٥٢١، وشذرات الذهب ٣/ ٢٤٥ - ٢٤٦.
(٣) كشف الأسرار للبزدوي ٢/ ٣٧٧ - ٣٧٨. وانظر: الفصول في الأصول ٣/ ١٤١، وشرح مختصر ابن الحاجب للشمس الأصفهاني ١/ ٧٥٢، وتيسير التحرير ٣/ ١١٦، وشرح التلويح عَلَى التوضيح ٢/ ٥، وأسباب اختلاف الفقهاء: ٢٩٢.
(٤) البحر المحيط ٤/ ٣٤٣.
(٥) أبو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عَلِيّ بن الطيب البصري صاحب التصانيف منها: " المعتمد في أصول الفقه "
و" تصفح الأدلة "، مات سنة (٤٣٦ هـ‍).
تاريخ بغداد ٣/ ١٠٠، وسير أعلام النبلاء ١٧/ ٥٨٧ - ٥٨٨، وشذرات الذهب ٣/ ٢٥٩.
(٦) المعتمد ٢/ ١٦٣.
(٧) رَوَاهُ الطيالسي (٢٣٧٦)، وعبد الرزاق (٢٦٧) و (٥٦٨)، وأحمد ٢/ ٢٦٥، ومسلم ١/ ١٨٧ (٣٥٢)، والترمذي (٧٩)، والنسائي ١/ ١٠٥، والطحاوي في شرح المعاني ١/ ٦٣.

<<  <   >  >>