للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الحنفية فَقَدْ استدلوا بعمومات نصوص الكِتَاب العزيز مِنْهَا:

١ - قوله تَعَالَى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ? (١).

وجه الدلالة: أن الله تَعَالَى أباح أكل المبيع إذا كَانَ عن رضى الطرفين، والنص مطلق عن قيد التفرق عن مكان العقد.

٢ - قوله تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)) (٢).

وجه الدلالة: أن الشارع - تبارك وتعالى - أوجب الوفاء بالعقود، وعقد البيع بَعْدَ الإيجاب والقبول وقبل مفارقة المجلس أو التخيير يسمى عقداً أيضاً، فيكون داخلاً في عموم هَذَا النص، والقول بخلافه إبطال للنص.

وأجابوا عن الْحَدِيْث بأنه:

خبر آحاد مخالف لظاهر الكِتَاب فيجب تأويله، فيحمل التفرق الوارد في الْحَدِيْث عَلَى التفرق بالأقوال لا بالأبدان، جمعاً بَيْنَ النصوص الواردة في هَذَا (٣).

ونجيب عَنْهُ بِمَا يأتي:

أما كون الْحَدِيْث آحادياً: فَقَدْ أبطلنا ذَلِكَ في ما مضى، وبينا أن الْحَدِيْث في أقل أحواله مشهور، وللمشهور عِنْدَ الحنفية حكم المتواتر في جواز تخصيص عمومات الكِتَاب بِهِ (٤).

وأما كون المراد التفرق بالأقوال: فَهُوَ خلاف المتبادر إِلَى الذهن من أن المراد التفرق بالأبدان، ونضيف بأن من الْمُسلّمَات - إذا سرنا عَلَى أصول الحنفية - أن راوي الْحَدِيْث أعلم بتفسيره لذا ردوا - كَمَا سبق - حَدِيْث ولوغ الكلب، وإذا حكّمنا هَذِهِ القاعدة هنا بانت الحجة عَلَيْهِمْ، فهذا الْحَدِيْث من رِوَايَة ابن عمر -رضي الله عنهما-، وَقَدْ أخرج البُخَارِيّ (٥) من طريق يَحْيَى بن سعيد، عن نافع قَالَ: ((وَكَانَ ابن عمر إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه)). ورواه مُسْلِم (٦) من طريق ابن جريج، عن نافع بلفظ:


(١) النساء: ٢٩.
(٢) المائدة: ١.
(٣) بدائع الصنائع ٥/ ٢٢٨، وشرح فتح القدير ٥/ ٨١.
(٤) ميزان الأصول: ٤٢٩ - ٤٣٠.
(٥) في صحيحه ٣/ ٨٣ عقب (٢١٠٧).
(٦) في صحيحه ٥/ ١٠ (١٥٣١) عقب (٤٥).

<<  <   >  >>