للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجاب أصحاب المذهب الأول عن هَذَا: بأن المراد من الذكر غَيْر القُرْآن، فَهُوَ المفهوم عند الإطلاق (١).

ويجاب عن هَذَا: بأن التخصيص لا دليل عَلَيْهِ، فالأصل العموم حَتَّى يأتي دليل يخصصه. ولذا قَالَ القرطبي (٢): ((أصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ لَهُ، وسمي الذكر باللسان ذكراً لأَنَّهُ دلالة عَلَى الذكر القلبي؛ غَيْر أَنَّهُ لما كثر إطلاق الذكر عَلَى القَوْل اللساني صار هُوَ السابق للفهم)) (٣). فالتخصيص عرفي لا شرعي.

وقالوا أيضاً: لَمْ يصح دليل في منع المحدِث حدثاً أكبر من قِرَاءة القُرْآن، والأصل عدم التحريم. وَقَدْ خالف هذين المذهبين جَمَاعَة من الفُقَهَاء ففرقوا بَيْنَ القليل والكثير، وقالوا: تجوز قِرَاءة الآية والآيتين. روي ذَلِكَ عن: عَبْد الله (٤) بن مغفل (٥)، ومحمد الباقر (٦)، ورواية عن عكرمة (٧)، وسعيد بن جبير (٨).

وَقَدْ شدد ابن حزم النكير عَلَى هَذَا القَوْل، وعدَّها أقوالاً فاسدة لا يعضدها دليل من قرآن أو سنة صَحِيْحَة وَلاَ سقيمة، ولا من إجماع، وَلاَ من قَوْل صاحب، وَلاَ من قياس، وَلاَ من رأي سديد؛ لأن بَعْض الآية والآية قرآن بلا شك، وَلاَ فرق بَيْنَ أن يباح لَهُ آية أو أن يباح لَهُ أخرى، أو بَيْنَ أن يمنع من آية أو يمنع من أخرى (٩).

ومما تنبغي الإشارة إِليهِ مَذْهَب الإمام مَالِك، وَهُوَ أَنَّهُ أجاز قِرَاءة القُرْآن للحائض والنفساء دُوْنَ الجنب (١٠).

والحجة للإمام مَالِك في تفريقه بَيْنَ الجنب، وبين الحائض والنفساء: أن الحيض


(١) شرح الدردير ١/ ٤٠.
(٢) العلامة مُحَمَّد بن أحمد بن فرح أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي القرطبي، لَهُ تفسير " الجامع لأحكام القرآن "، وكتاب " التذكرة " توفي سنة (٦٧١ هـ‍).
تاريخ الإسلام: ٧٤ - ٧٥ وفيات (٦٧١ هـ‍)، وطبقات المفسرين: ٧٩، وشذرات الذهب ٥/ ٣٣٥.
(٣) تفسير القرطبي ١/ ٥٥٢.
(٤) هو الصحابي عبد الله بن مغفل بن عبد غنم أبو سعيد أو أبو زياد المزني، توفي سنة (٥٩ هـ‍)، وَقِيْلَ: (٦٠ هـ‍)، وَقِيْلَ: (٦١ هـ‍). أسد الغابة ٣/ ٢٦٤، وتجريد أسماء الصحابة ١/ ٣٣٦، والإصابة ٢/ ٣٧٢.
(٥) المصنف لابن أبي شَيْبَة (١٠٩٣)، والمحلى ١/ ٧٨.
(٦) المصنف لابن أبي شَيْبَة (١٠٨٨)، والمحلى ١/ ٧٨.
(٧) المصنف لابن أبي شَيْبَة (١٠٨٩)، والمحلى ١/ ٧٨.
(٨) المصنف لابن أبي شَيْبَة (١٠٩٢)، والمحلى ١/ ٧٨.
(٩) المحلى ١/ ٧٨.
(١٠) بداية المجتهد ١/ ٣٥.

<<  <   >  >>