للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثقة مقبولة وإسرائيل (١) ثِقَة. وهذه الحكاية - إن صحت - فإن مراده الزيادة في هَذَا الحَدِيْث، وإلا فمن تأمل كِتَاب "تأريخ البُخَارِيّ" (٢) تبين لَهُ قطعاً أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يرى أن


=
ورواية أبي عبيدة علّقها الترمذي في جامعه عقب (١١٠٢) على نحو ما ذكره أبو داود.
أقول: يونس معروف بالسماع والرواية عن أبيه أبي إسحاق وعن أبي بردة، فيكون قد سمعه منهما كليهما، فكان يرويه مرة هكذا ومرة هكذا. ينظر: العلل الكبير للترمذي (١٥٦)، وصحيح ابن حبّان. الإحسان ٦/ ١٥٤ عقب (٤٠٧١) قال الحاكم في المستدرك ٢/ ١٧١ - ١٧٢: ((ولست أعلم بين أئمة هذا العلم خلافاً على عدالة يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بردة)).
ثم إنه جاء من حديث عدة من الصحابة قال الحاكم في المستدرك ٢/ ١٧٢: ((قد صحت الروايات فيه عن أزواج النبي ? عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش)) ثم قال: ((وفي الباب عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمر ...)).
والحديث صحّحه البخاري كما رواه عنه الخطيب فيما سبق، وروى الحاكم أيضاً تصحيحه عن علي بن المديني ومحمد بن يحيى الذهلي. المستدرك ٢/ ١٧٠.
أقول: مما سبق تبين أنَّ رواية من وصل الحديث أصحّ وأرجح من رواية من أرسله، وأما زعم من زعم أنَّ الإمام العلم الجهبذ البخاري صحّحه لأنّه زيادة ثقة، فهو كلام بعيد مجانبٌ لمنهج هذا الإمام وغيره من أئمة الحديث القائم على أساس اعتبار المرجحات والقرائن في قبول الزيادة وردها. والقول بقبولها مطلقاً هو رأي ضعيف ظهر عند المتأخّرين، قال به الخطيب وشهره ولهذا قال الحافظ ابن حجر: ((ومن تأمل ما ذكرته عرف أنّ الذين صحّحوا وصله لم يستندوا في ذلك إلى كونه زيادة ثقة فقط، بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية إسرائيل - الذي وصله - على غيره)). فتح الباري ٩/ ٢٢٩ (طبعة الكتب العلمية). فالذي ينظر في صنيع الأئمة السابقين والمختصين في هذا الشأن يراهم لا يقبلونهامطلقاً ولا يردونها مطلقاً بل مرجع ذلك إلى القرائن والترجيح: فتقبل تارة، وترد أخرى، ويتوقف فيها أحياناً، قال الحافظ ابن حجر: ((والمنقول عن أئمة الحديث المتقدّمين - كعبد الرحمان بن مهدي، ويحيى القطان وأحمد بن حنبلٍ، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم - اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم قبول إطلاق الزيادة)). نزهة النظر: ٩٦، وانظر: شرح السيوطي: ١٦٩ - ١٧٢.
والحكم على الزيادة بحسب القرائن هو الرأي المختار المتوسط الذي هو بين القبول والرد، فيكون حكم الزيادة حسب القرائن المحيطة بها حسب ما يبدو للناقد العارف بعلل الحديث وأسانيده وأحوال الرواة بعد النظر في ذلك، أما الجزم بوجه من الوجوه من غير نظر إلى عمل النقاد فذلك فيه مجازفة. (وانظر في ذلك بحثاً نافعاً في أثر علل الحديث: ٢٥٤ - ٢٦٣، وفيه كلام نفيس لعلاّمة العراق ومحقق العصر الدكتور هاشم جميل - حفظه الله -).
(١) هُوَ إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني، أبو يوسف الكوفي: ثقة تُكلم فِيْهِ بلا حجة، توفي سنة (١٦٠ هـ‍)، وَقِيْلَ: (١٦١ هـ‍)، وقيل: (١٦٢ هـ‍).
تهذيب الكمال ١/ ٢٠٧ (٣٩٥)، والكاشف ١/ ٢٤١ (٣٣٦)، والتقريب (٤٠١).
(٢) انظر عَلَى سبيل المثال التأريخ الكبير ٢/ ١٢٥و١٤٠و١٧٨و١٧٩و٢١٢.

<<  <   >  >>