للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باختلاف الناس)) (١).

هذا وغيره من أقوال الأئمة النقاد في حثهم عَلَى تعلّم الاختلافات ودراستها حَتَّى يخرج طالب العلم فقيهاً محدّثاً، وَقَدْ أدرك الصدر الأول من أهل العلم أهمية ذَلِكَ للفقيه والمحدِّث، وأنَّ الفقه والحديث صنوان لا ينفكان وتوأمانِ مُتلازمان لا غِنَى لأحدهما عَنْ الآخر، ومَنْ كَلَّ في أحدهما خيف عَلَيْهِ السقط في الآخر وَلَمْ يُؤْمَن عَلَيْهِ من الغلط، بَلْ ربما كَانَ مدعاة للوهم والإيهام. ونجد السابقين من العلماء حثوا عَلَى تعلم العلمين، نقل الكتاني (٢) في "نظم المتناثر" (٣) عَنْ سفيان الثوري (٤) وسفيان بن عيينة وعبد الله بن سنان (٥) قالوا: ((لَوْ كَانَ أحدنا قاضياً لضربنا بالجريد (٦) فقيهاً لا يتعلم الْحَدِيْث ومحدّثاً لا يتعلم الفقه)).

وَقَدْ نبّه الْحَاكِم النيسابوري عَلَى أن علم الفقه أحد العلوم المتفرعة من علم الْحَدِيْث، فَقَدْ قَالَ: ((مِنْ علم الْحَدِيْث مَعْرِفَة فقه الْحَدِيْث، إِذْ هُوَ ثمرة هَذِهِ العلوم، وبه قوام الشريعة، فأما فقهاء الإسلام أصحاب القياس والرأي والاستنباط والجدل والنظر فمعروفون في كُلّ عصر وأهل كُلّ بلد، ونحن ذاكرون بمشيئة الله في هَذَا الموضع فقه الْحَدِيْث عَنْ أهله ليستدل بِذَلِكَ عَلَى أن أهل هَذِهِ الصنعة من تبحر فِيْهَا لا يجهل فقه الْحَدِيْث، إِذْ هُوَ نوع من أنواع هَذَا العلم)) (٧).


=
الإرسال، مات سنة (١١٤ هـ‍)، في أشهر الأقوال.
الجرح والتعديل ٦/ ٣٣٠، وسير أعلام النبلاء ٥/ ٧٨، والتقريب (٤٥٩١).
(١) جامع بيان العلم ٢/ ٤٦.
(٢) هُوَ مُحَمَّد بن جعفر بن إدريس الكتاني، أبو عَبْد الله، مؤرخ محدّث، مكثر من التصنيف، ولد بفاس سنة (١٢٧٤ هـ‍)، من تصانيفه " الرسالة المستطرفة " و " سلوة الأنفاس "، توفي سنة (١٣٤٥ هـ‍)، ومعجم المؤلفين ٩/ ١٥٠. الأعلام ٦/ ٧٢ - ٧٣.
(٣) ص: ٨.
(٤) هُوَ سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أَبُو عَبْد الله الكوفي: ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، توفي سنة (١٦١ هـ‍).
طبقات خليفة: ١٦٨، وسير أعلام النبلاء ٧/ ٢٢٩، والتقريب (٢٤٤٥).
(٥) هُوَ عَبْد الله بن سنان الهروي نزيل البصرة، سَمِعَ ابن المبارك وغيره، رَوَى عَنْهُ ابن المديني وابن المثنى، قَالَ البخاري: ((أحاديثه معروفة)) وثقه أبو داود.
التاريخ الكبير ٥/ ١١٢، والجرح والتعديل ٥/ ٦٨، وميزان الاعتدال ٢/ ٤٣٧ (٤٣٧١).
(٦) الجريد: الجريدة هِيَ سعفة طويلة رطبة، والجريد: الَّذِيْ يجرد عَنْه الخوص، ولا يسمى جريداً ما دام عَلَيْهِ الخوص وإنما يسمى سعفاً. انظر: تاج العروس ٧/ ٤٩٢ (جرد).
(٧) مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث: ٦٣.

<<  <   >  >>