للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبحث في الإسناد مهم جداً في علم الْحَدِيْث، من أجل التوصل إلى مَعْرِفَة الْحَدِيْث الصَّحِيْح من غَيْر الصَّحِيْح، إِذْ إنّه كلما تزداد الحاجة يشتد نظام المراقبة، فعندما انتشر الْحَدِيْث بَعْدَ وفاة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - اشتد الاهتمام بنظام الإسناد، وعندما بدأ السهو والنسيان يظهران كثر الالتجاء إلى مقارنة الروايات، حَتَّى أصبح هَذَا المنهج مألوفاً معروفاً عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ؛ إِذْ إنه لا يمكن الوصول إلى النص السليم القويم إلا عن طريق البحث في الإسناد، والنظر والموازنة والمقارنة فِيْمَا بَيْنَ الروايات والطرق. من هنا ندرك سر اهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ، إذ جالوا في الآفاق ينقّرون أَوْ يبحثون في إسنادٍ، أَوْ يقعون عَلَى علة أَوْ متابعة أَوْ مخالفة، وكتاب "الرحلة في طلب الْحَدِيْث" (١) للخطيب البغدادي خير شاهد عَلَى ذَلِكَ.

وتداول الإسناد وانتشاره معجزة من المعجزات النبوية (٢) الَّتِيْ أشار إِلَيْهَا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في قوله: ((تَسْمَعُون ويُسْمَع منكم ويُسْمَع مِمَّنْ يَسْمَع منكم)) (٣).

ثُمَّ إنَّ للإسناد أهمية كبيرة عِنْدَ المسلمين وأثراً بارزاً؛ وذلك لما للأحاديث النبوية من أهمية بالغة، إذ إنَّ الْحَدِيْث النبوي الشريف ثاني أدلة أحكام الشرع، ولولا الإسناد واهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ لضاعت علينا سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ولاختلط بِهَا ما ليس مِنْهَا، ولما استطعنا التمييز بَيْنَ صحيحها من سقيمها؛ إذن فغاية دراسة الإسناد والاهتمام بِهِ


(١) هُوَ كتاب فريد في بابه، جمع فِيْهِ الْخَطِيْب أخباراً نادرة من أخبار العلماء في رحلاتهم من أجل الْحَدِيْث الواحد، وما أشبه ذَلِكَ. وَقَدْ صدر الكتاب بأحاديث وآثار تدلل عَلَى ذَلِكَ وترغب فِيْهِ، وَقَدْ طبع الكتاب في بيروت بطبعته الأولى عام ١٩٧٥ في دار الكتب العلمية بتحقيق: د. نور الدين عتر.
(٢) بغية الملتمس: ٢٣.
(٣) أخرجه أحمد ١/ ٣٥١، وأبو داود (٣٦٥٩)، وابن حبان (٩٢)، والرامهرمزي في " المحدث الفاصل": ٢٠٧ (٩٢)، والحاكم في " المستدرك " ١/ ٩٥، وفي مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث: ٢٧ و ٦٠، والبيهقي في " السنن " ١٠/ ٢٥٠ وفي " الدلائل " ٦/ ٥٣٩، والخطيب في " شرف أصحاب الْحَدِيْث " (٧٠)، وابن عَبْد البر في " جامع بَيَان العلم " ١/ ٥٥ و٢/ ١٥٢، والقاضي عياض في " الإلماع ": ١٠. من طرق عن الأعمش، عن عَبْد الله بن عَبْد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عَبَّاسٍ، بِهِ مرفوعاً.
وصححه الْحَاكِم، وَلَمْ يتعقبه الذهبي، وَقَالَ العلائي في " بغية الملتمس ": ٢٤: ((هَذَا حَدِيْث حسن من حَدِيْث الأعمش)).
وأخرجه البزار (١٤٦)، والرامهرمزي في " المحدّث الفاصل " (٩١)، والطبراني في " الكبير " (١٣٢١)، والخطيب في "شرف أصحاب الْحَدِيْث " (٦٩)، من حَدِيْث ثابت بن قيس بلفظ:
((تسمعون ويُسمع منكم ويُسمع من الَّذِيْنَ يسمعون منكم ثُمَّ يأتي من بَعْدَ ذَلِكَ قوم سمان يحبون السِّمَن، يشهدون قَبْلَ أن يُسألوا)).

<<  <   >  >>