للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دون سائر الرُّوَاة عن ذَلِكَ الشيخ (١).

ويظهر من هَذَا التعريف بعض القصور في دخول بعض أفراد المُعَرَّف في حقيقة التعريف، إِذْ قَصَرَه عَلَى انفراد الثقة فَقَطْ عن شيخه (٢).

وعرّف الدكتور حمزة المليباري التفرد وبيّن كيفية حصوله، فَقَالَ: ((يراد بالتفرد: أن يروي شخص من الرُّوَاة حديثاً دون أن يشاركه الآخرون)) (٣).

وهذا التعريف الأخير أعم من التعريف الأول، فإنه شامل لتفرد الثقة وغيره، وعليه تدل تصرفات نقاد الْمُحَدِّثِيْنَ وجهابذة الناقلين، ولقد كثر في تعبيراتهم: حَدِيْث غريب، أو تفرّد بِهِ فُلاَن، أو هَذَا حَدِيْث لا يعرف إلا من هَذَا الوجه، أَوْ لا نعلمه يروى عن فُلاَن إلاّ من حَدِيْث فُلاَن، ونحوها من التعبيرات (٤).

ولربما كَانَ الحامل للميانشي عَلَى تخصيص التعريف بالثقات دون غيرهم، أن رِوَايَة الضعيف لا اعتداد بِهَا عِنْدَ عدم المتابع والعاضد. ولكن من الناحية التنظيرية نجد الْمُحَدِّثِيْنَ عِنْدَ تشخيصهم لحالة التفرد لا يفرقون بَيْنَ كون المتفرد ثقة أو ضعيفاً، فيقولون مثلاً: تفرد بِهِ الزهري، كَمَا يقولون: تفرد بِهِ ابن أبي أويس (٥).

وبهذا المعنى يظهر الترابط الواضح بَيْنَ المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، إِذْ إنهما يدوران في حلقة التفرد عما يماثله.

والتفرد ليس بعلة في كُلّ أحواله، ولكنه كاشف عن العلة مرشد إلى وجودها، وفي هَذَا يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي: ((وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الْحَدِيْث إذا تفرد بِهِ واحد - وإن لَمْ يروِ الثقات خلافه -: إنه لا يتابع


=
انظر: الأنساب ٥/ ٣٢٠، واللباب ٣/ ٢٧٨، ومعجم البلدان ٥/ ٢٤٠، ومراصد الاطلاع ٣/ ١٣٤١.
وكذا نسبه الحافظ ابن حجر في النُّزهة: ٤٩، وتابعه شرّاح النّزهة عَلَى ذَلِكَ. انظر مثلاً: شرح ملا علي القاري: ١١.
(١) ما لا يسع المحدّث جهله: ٢٩.
(٢) وأجاب عَنْهُ بعضهم بأن رِوَايَة غَيْر الثقة كلا رِوَايَة. التدريب ١/ ٢٤٩.
(٣) الموازنة بَيْنَ منهج المتقدمين والمتأخرين: ١٥.
(٤) انظر عَلَى سبيل المثال: الجامع الكبير، للترمذي عقب (١٤٧٣) و (١٤٨٠ م) و (١٤٩٣) و (١٤٩٥) و (٢٠٢٢).
(٥) هُوَ إسماعيل بن عَبْد الله بن أويس بن مالك الأصبحي، أَبُو عَبْد الله بن أبي أويس المدني: صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه، توفي سنة (٢٢٦ هـ‍) وَقِيْلَ: (٢٢٧ هـ‍).
تهذيب الكمال ١/ ٢٣٩ و ٢٤٠ (٤٥٢)، وسير أعلام النبلاء ١٠/ ٣٩١ و ٣٩٥، والكاشف ١/ ٢٤٧ (٣٨٨).

<<  <   >  >>