للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت «قرطبة» قد حققت فى النصف الأول من القرن الرابع الهجرى على يد الخليفة الأموى «عبد الرحمن الناصر «٣٠٠: ٣٥٠ هـ» نوعا من الاستقرار السياسى، وحقق لها هذا الخليفة النصر فى الداخل والخارج (١)، وأقبلت على «قرطبة» وفود ملوك الروم ... وسائر الأمم خاضعة راغبة فى موادعته (٢)، فإنها فى النصف الثانى من هذا القرن قد حققت فى عهد الخليفة الحكم المستنصر وعهد الحاجب «المنصور بن أبى عامر - الذى تسمى بالحاجب - سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة هـ (٣)» نهضة علمية، وفكرية، ولغوية واسعة، وأصبحت جامعتها من أشهر جامعات العالم.

وكان يدرس الحديث فيها «أبو بكر بن معاوية القرشى»، وفيها أملى «أبو على القالى» - ضيف الأندلس - دروسه عن العرب قبل الإسلام، وكان «ابن القوطية» يدرس النحو.، وكان يدرس بقية العلوم أساتذة من أعلام العصر،

وكان الطلبة يعدون بالآلاف (٤).

وإذا كان «المعافرى» أشهر تلاميذ ابن القوطية» وكتاب الأفعال له بسط لكتاب شيخه بعد أن أفرد له عنايته، وجعل له حظا من نظره (٥) حتى خرج أكمل وأشمل كتب الأفعال التى بين أيدينا، وأوفاها نحوا، وصرفا، ولغة، وأدبا، ثم آثر التطوع والجهاد فى سبيل الله، وفضل ما عنده، فإنى أقول مرجحا: إن أبا عثمان سعيد بن محمد المعافرى القرطبى السرقسطى ولد فى «قرطبة» أو رحل إليها صغيرا مع أسرته من «سرقسطة» حيث مجالات العمل فى «قرطبة» متوافرة، وأنه نشأ، وشب فى «قرطبة» يتمتع بقدرات فطرية طيبة من الذكاء، وملكة الحفظ، وروح التدين، والقدرة على الاستيعاب، والتقى بهذه القدرات مع شيوخ


(١) تاريخ الأدب العربى فى الأندلس د - إحسان عباس ١٤
(٢) نفح الطييب ١ - ٣٤٣
(٣) الدولة الإسلامية فى الأندلس محمد عبد الله عنان ٢ - ٥٥٢
(٤) نفس المصدر ٢ - ٥١٧
(٥) مقدمة أفعال أبى عثمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>